للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإباحة قبل الحظر فكذلك يقول بعده، ومن قال بأن موجبه الوجوب قبل الحظر، فعامتهم على أن موجبه الوجوب بعد الحظر أيضًا) (١). وقد أوضح ابن حزم مذهبه بقوله: (فإذا نسخ الحظر نظرنا فإن جاء نسخه بلفظ الأمر، وجب فعله بعد أن كان حرامًا) (٢).

وممن قال بالوجوب أيضًا القاضي أبو الطيب الطبري، وأبو إسحاق الشيرازي، والإمام الرازي والبيضاوي والإسنوي، ونقله ابن برهان في "الوجيز" عن القاضي، كما نقله الآمدي عن المعتزلة (٣) ونسبه صاحب "غابة السول" إلى الزيدية (٤).

وقد احتج أصحاب هذا القول: بأن مقتضى الوجوب قائم؛ إذ الأمر المجرد عن القرائن يدل على الوجوب، فالوجوب هو الأصل، ومجيء الأمر بعد الحظر لا يصلح قرينة على صرفه من إفادة الوجوب إلى غيره فوروده بعد الحرمة، لا يعارض ما ثبت له من الوجوب، فوجب حملة على ما دل عليه قبل المنع، عملًا بالمقتضى السالم عن المعارضة، لأنه كما جاز الانتقال من المنع إلى الإذن: جاز الانتقال منه إلى الإيجاب وقد ثبتت دلالة بعض الأوامر على الوجوب، مع ورودها بعد الحظر والتحريم كقول الله جلَّ وعلا: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] فإن الأمر بقتال المشركين وارد بعد تحريمه في الأشهر الحرم، والاتفاق حاصل على أن هذا الأمر للوجوب وكقوله سبحانه: ﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا﴾ [الأحزاب: ٥٣] بعد قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ


(١) راجع: "كشف الأسرار على أصول البزدوي" (١/ ١٢٠).
(٢) راجع: "الإحكام" لابن حزم: (٢/ ٧٦ - ٧٨) وسيأتي رده المسهب على المقائلين بالإباحة وأنها مدلول عليها من استقراء النصوص.
(٣) راجع: "الإحكام" للآمدي (٢/ ٢٦٠)، "المنهاج للبيضاوي مع شرحه للإسنوي" (١/ ٢٦٨)، "جمع الجوامع" مع "شرحه" للمحلي (١/ ٣٧٨)، "التقرير والتحبير" (١/ ٣٠٧).
(٤) انظر: "غاية السول في أصول الزيدية" (ص ١٠٥ - ١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>