إنما دل على غير التحريم، لوجود القرينة الصارفة عن التحريم إلى غيره.
وذهب بعض علماء الأصول إلى أن النهي المجرد عن القرائن، يدل على الكرامة على وجه الحقيقة، ولا يدل على التحريم إلا بقرينة.
وذهب آخرون إلى أن النهي حقيقة في التحريم والكراهة على سبيل الاشتراك اللفظي، ولا يدل على واحد منهما إلا بالقرينة، كما ذهب البعض إلى التوقف؛ وذلك كالذي تقدم في الأمر. فما رأيناه من المذاهب هناك نراه هنا على طريق التقابل كما أسلفنا (١).
[ما نرجحه في المسألة]
والراجح في نظرنا هو ما ذهب إليه الجمهور، من دلالة النهي المطلق على التحريم، وهو ما يجب أن يكون الأساس في فهم ما ورد من النهي في نصوص الكتاب والسنة لاستنباط الأحكام؛ ذلك لأن النهي المجرد عن القرائن موضوع لغةً للدلالة حقيقة على طلب الترك على وجه المختم واللزوم - كما أشرنا من قبل - وعندما جاءت الشريعة التي أنزلت بلسان العرب، أحاطت عدم الانتهاء عما ينهى عنه، بإطار من الإلزام الشرعي إلى جانب الإلزام اللغوي، فمن يفعل المنهي عنه مهدد بالعقوبة، وموصوف بالعصيان والخروج على طاعة الله وطاعة رسوله؛ وذلك لأنه خالف ما طلب منه.
وهكذا أصبح ما يدل عليه النهي لغة، من طلب الترك على وجه الحتم واللزوم، هو التحريم في العرف الشرعي. وعلى هذا: فمن الممكن أن نقرر أن دلالة النهي على التحريم، قائمة على اللغة والشرع.
وإذا كانت النصوص واردة بلسان العرب وعلى مقتضيات الخطاب عندهم، والمناهي عاصٍ مرتكبُها محكوم عليه بالعقاب؛ فإن من الطبيعي أن
(١) قال العضد: (والخلاف في أنه - يعني النهي - هل له صيغة، وفي صيغته أهي ظاهرة في المنظر دون الكراهية أو بالعكس، أو مشتركة أو للمشترك، أو موقوفة كما تقدم في صيغة الأمر)، وأجمع: "مختصر المنتهي" مع "العضد" و"السعد" (٢/ ٩٥ - ٩٦) "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ٣٢٩).