للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)[المائدة: ٨٩] فقراءة التخفيف تحتمل عقد اليمين قولًا، كما تحتمل عقد القلب، وهو العزيمة والقصد إلى الترك، وقراءة التشديد تفيد اليمين المعقودة؛ فتحمل قراءة التخفيف على الأخرى التي لا تحتمل إلا وجهًا واحدًا. فيحصل المعنى من القراءتين: عقد اليمين قولًا، فيكون المقصود من الآية: اليمينُ المنعقدةُ، ويكون حكم إيجاب الكفارة، مقصورًا على هذا الضرب من الأيمان، وهو أن تكون اليمين معقودة. ولا تجب في اليمين على الماضي، لأنها غير معقودة، وإنما هو خبر عن ماض، والخبر عن الماضي ليس بعقد سواء أكان صدقًا أم كذبًا (١).

[٢ - إباحة الوطء بانقطاع دم الحيض]

ومن أمثلة ذلك أيضًا ﴿يَطْهُرْنَ﴾ و ﴿يَطَّهَّرْنَ﴾ بالتخفيف والتشديد من قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فمَن قرأ بالتخفيف ﴿يَطْهُرْنَ﴾ أراد انقطاع الدم حيث لا يحتمل اللفظ غيره. ومَن قرأ بالتشديد ﴿يَطَّهَّرْنَ﴾، كان اللفظ محتملًا لانقطاع الدم والاغتسال، فلما احتمل اللفظ المعنيين، حُمل على ما لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا، وهو انقطاع الدم. قال أبو بكر الجصاص: (فصارت قراءة التخفيف محكمة، وقراءة التشديد متشابهة، وحكم المتشابه أن يحمل على المحكم ويردَّ إليه، فيحصل معنى القراءتين على وجه واحد، وظاهرهما يقتضي إباحة الوطء بانقطاع الدم الذي هو خروج من الحيض) (٢).

[٣ - فرض غسل الرجلين]

قال أبو بكر الجصاص في كتابه "أصول الفقه": وكان أبو الحسن يقول


(١) "أحكام القرآن" للجصاص (٢/ ٥٥٢)، "أصول الفقه" للجصاص (١/ ٣٧٤)، وراجع: "الهداية" مع "فتح القدير" و "العناية" وحاشية سعدي جلبي (٤/ ٣ - ٥).
(٢) راجع: "أحكام القرآن" (١/ ١١٢)، "أصول الفقه" له أيضًا (١/ ٣٧٥ فما بعد).
وانظر: "الهداية" مع "فتح القدير" و "العناية" (١/ ١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>