للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضًا في ﴿أَرْجُلَكُمْ﴾ من قوله تعالى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: ٦] أن قراءة النصب ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ لا تحتمل إلا عطفها على الغسل، وقراءة الخفض ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ تحتمل عطفها على الغسل ويكون خفضها بالمجاورة. وتحتمل العطف على المسح، فلما احتملت قراءة الخفض وجهين، ولم تحتمل قراءة النصب إلا وجهًا واحدًا: وجب أن يكون معنى قراءة الخفض محمولًا على قراءة النصب، فتكون الرجل مغسولة).

وهكذا حمل أبو الحسن الكرخي قراءة الخفض في ﴿وأرجلِكم﴾ على قراءة النصب ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾؛ لأن الأولى - كما يرى - من (المتشابه) والثانية من (المحكم) فحمل الأول على الثاني، ورد ما يحتمل أكثر من معنًى، إلى ما لا يحتمل إلا معنًى واحدًا. ويكون مدلول الآية وجوب الغسل كما عليه الجمهور (١)

ثانيًا: وإذا انتهينا من المرحلة الأولى، فلنقرر أن المرحلة الثانية التي أشرنا إلى بعض أعلامها كان عماد تعريف المتشابه فيها - كما رأينا - (عدم رجاء معرفته لأحدٍ من الأمة في الدنيا، أو رجاء معرفته للراسخين في العلم فحسب) ولشدة خفائه، جعلوه في مقابل (المحكم) الذي هو ذروة أنواع واضح الدلالة من الألفاظ.

فإذا كان المحكم لا يقبل التأويل، ولا التخصيص، ولا النسخ، فإن (المتشابه) بلغ من الخفاء درجة لا يرجى معها معرفته لأحد - وهو رأي الأكثرين - أو ترجى معرفته للراسخين في العلم.

وعلى كل فهو من حيث الخفاء: فوق المجمل الذي يحتمل البيان من المجمِل نفسه (٢).


(١) راجع: "أصول الفقه" للجصاص (١/ ٣٧٥ فما بعد)، وانظر: كلام ابن الهمام في "فتح القدير" (١/ ٨).
(٢) انظر: "تقويم الأدلة" للدبوسي ص ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>