للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى النص لغة زيادة الظهور، ومنه نصصت الدابة، ومِنصة العروس .. إلخ.

كما هو واضح في مصادر العربية مما نقلناه عن الأئمة في هذا الصدد.

٢ - أما ما احتج به ابن ملك، من أن القرينة في كلام البزدوي، أعم من أن تكون نطقية أو غيرها: فإن السرخسي - وهو من رجال القرن الخامس الذين عاصروا البزدوي، وقد نقلنا كلامه من قبل - قد صرّح بأن النص ما يزداد وضوحًا، بقرينة تقترن باللفظ من المتكلم.

ولئن كان ابن ملك يريد أن لا يحصر القرينة بكونها لفظية، إن في كلام السرخسي وأضرابه ما ينفي الذي أراده ابن ملك بعدم الحصر؛ ذلك بأن تلاقي كلام أهل الحِقبة الواحدة على أمر معيَّن، يقوِّي جانب الفهم الذي أرادوه، ويُبرز المعاني التي قصدوها في التعريفات، عند ضبط مناهجهم في استنباط الأحكام.

٣ - ثم إن ابن ملك، أراد أن يأخذ اشتراط عدم السَوْق في (الظاهر)، من كلام المتقدمين أنفسهم؛ وذلك عن طريق مفهوم المخالفة (١) حيث فسّروا آية التعدد بأنها (نص) في بيان العدد؛ لأنه سيق الكلام له.

وأحسب أن في منطوق كلام البزدوي - كما قدّمنا - وكلام المعاصرين له بتأييد ما ذهبوا إليه من اللغة نفسها، ما يضعف مأخذ ابن ملك، ويقوِّي جانب الأخذ بما درج عليه المتقدمون (٢).

[التسلسل التاريخي لمسألة الظاهر والنص]

وهكذا يظهر مما تقدم أن النظرة إلى الظاهر والنص عند الحنفية من علماء الأصول، قد مرّت في ثلاث مراحل:

الأولى: وهي التي تمتد إلى نهاية القرن الخامس، حيث لا يشترط في الظاهر: عدم سَوْق الكلام للمعنى المراد.


(١) مفهوم المخالفة - كما سيأتي في مبحث الدلالات - هو: إثبات نقيض حكم المنطوق للمسكوت لانتفاء القيد الذي قيّد به ذلك الحكم، والحنفية متفقون على عدم الأخذ بهذا المفهوم في نصوص الكتاب والسنّة، ومختلفون في الأخذ به في كلام الناس.
(٢) راجع ما سبق (ص ١٢٥ - ١٢٦) فما بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>