للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر بكتابة الدين عن الوجوب إلى الإرشاد، هو قول الله جلّ وعلا بعد هذه الآية: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣].

إذ دل هذا النص على أن الدائن إذا وثق بمدينه، فله أن لا يكتب الدين عليه. ومعنى ذلك أنه إذا لم يكتب في هذه الحالة لا يكون مخالفًا لأمر الله (١).

ومن ذلك أيضًا ما رويَ من قول الرسول صلوات الله عليه لعمر بن أبي سلمة - وهو غلام صغير -: "سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك" (٢) حيث قرر العلماء أن الأمر فيه ليس للوجوب وإنما هو محمول على التأديب والتهذيب، وتعويد الطفل محاسن الأخلاق والعادات.

وقرينة صرف الأمر عن الوجوب إلى ما ذكرنا، هي كون المأمور هنا، ليس أهلًا للتكليف حتى يكلف ويلتزم.

[موقفنا من مسالك العلماء في دلالة الأمر]

لقد كان للخلاف بين العلماء في دلالة الأمر: أثره الواضح في الأحكام التي استنبطوها من نصوص الكتاب والسنة، وإذا كان الجمهور على أن مدلول الأمر هو الوجوب، ولا يصرف عنه إلا بقرينة، فكثيرًا ما اختلفت أنظارهم في وجود القرينة، أو عدم وجودها، وفي تقويم هذه القرينة إن وجدت، ومقدار صلاحها لصرف الأمر عن ظاهره - وهو الوجوب - إلى معنى آخر؛ فقد تصلح للصرف عند أناس، ولا تصلح عند آخرين.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ فإن الخلاف لم يكن بينهم وبين القائلين بأن مدلول الأمر هو الندب أو غيره من المعاني الأخرى، بقدر ما كان بينهم وبين الظاهرية، ذلك أن القائلين بأن الأمر للندب أو غيره مثلًا: يتفقون أحيانًا صنع الجمهور في النتيجة وإن اختلفت الطريق.


(١) انظر ما سلف (٢/ ١٩٨).
(٢) راجع: "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (٨/ ١٣٤)، ما سلف (٢/ ١٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>