للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجمهور يقولون: الأصل هو الوجوب، والندب مثلًا جاء من القرينة، وأولئك يقولون: الأصل هو الندب. ويظهر ذلك في كثير من أبواب الفقه لمن أراد الاستقصاء (١).

أما الظاهرية: فالأصل عندهم هو الأخذ بالظاهر على الشكل الذي يرون. والظاهر في دلالة الأمر هو الوجوب، ولقد رأينا في مبحث التأويل أن ابن حزم يرى في العدول عن الوجوب - الذي هو الظاهر - إلى غيره، انحرافًا عن الطريق الصحيح، وتقولًا على الله ورسوله، وخروجًا على مدلولات الخطاب في لغة القرآن (٢).

وعند استدلالنا فيما سبق على الأمر للوجوب، رأينا القسمة عند ابن حزم ثلاثية: فإما أمر: فهو يقتضي الوجوب، وإما تخيير: فهو يقتضي الندب، وإما ترك: فهو المعصية والضلال.

فابن حزم لا يرى صارفًا عن الوجوب إلى غيره يسمى القرينة، وإنما يرى نديًا يقوم على التصريح بالتخيير، والعدول عن ذلك معصية أخبر الله أن من فعلها فقد ضل ضلالًا مبينًا.

وهكذا تأثرت الأحكام في الفروع، باختلاف العلماء فيما بنيت عليه من قواعد وأصول؛ فمن وقوف عند الظاهر يحكم بأن كل أمر فهو للوجوب دون التفات إلى القرائن، إلى تفاوت الأنظار في الوجوب أو الندب أو الإباحية. . . أو الاشتراك أو غير ذلك، إلى تعدد الآراء عند القائلين بالوجوب أنفسِهم في وجود القرينة أو عدم وجودها، وإن وجدت: ففي مقدار صلاحيتها لصرف الأمر عن الوجوب.

وعلى أية حال: فإذا كنا نرى أن الأمر في حقيقته للوجوب، فلسنا مع ابن حزم في عدم الالتفات مطلقًا لأي قرينة؛ لأن الاستعمالات المجازية عن طريق القرائن واقعة في اللغة التي يتهم ابن حزم الجمهور بالخروج عنها، وهذا واضح في فهم السلف أتم الوضوح.


(١) انظر ما سلف (٢/ ٢٢٥) فما بعدها.
(٢) انظر ما سلف (١/ ٣٥٨) فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>