للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسلك الغزالي]

وقد أورد الغزالي جملة من أدلة أرباب العموم العقلية، ونقدها جميعًا بإيراد العديد من الاعتراضات (١).

ومن أهم هذه الأدلة: ما رأيناه آنفًا من أن أهل اللغة قد عقلوا معنى العموم واستغراق الجنس واحتاجوا إليه، فلا بد أنهم وضعوا له صيغة ولفظًا، نظير وضعهم أسماء للأعداد، والأنواع والأشخاص، والأجناس التي عقلوها لحاجتهم إليها.

وأورد على هذا الدليل اعتراضات أهمها: أن هذا قياس واستدلال في اللغة، واللغة كتبت توقيفًا ونقلًا، لا قياسًا واستدلالًا، بل هي كسنن الرسول .

ثم: إذا سُلّم أن ذلك واجب في الحكمة، فمن أين لواضعي اللغة أن يكونوا معصومين من الخطأ، حتى لا يخالفوا الحكمة في وضعها، وهم في حكم من يترك ما لا تقتضي الحكمةُ تركَه (٢)؟

على أن الإمام الغزالي الذي تناول أدلة أرباب العموم بالنقد: تبنى مذهب العموم وسلك سبيلًا اعتبرها الطريق المختار عنده لإثبات ذلك العموم.

الأمر الذي دل على أن الغزالي لا ينقد المذهب نفسه، وإنما ينقد الطرق التي اختارها أرباب العموم للاستدلال على صحة المذهب.

والطريق المختارة عنده في إثبات العموم، تقوم على أن صيغ العموم محتاجٌ إليها في جميع اللغات: لا في لغة العرب وحدها، فيبعد أن يغفل عنها جميع أصناف الخلق، فلا يضعوها مع الحاجة إليها. واستدل على هذا الوضع بأمور أربعة (٣) هي:


(١) راجع: "المستصفى" (٢/ ٤٨) مع "مسلم الثبوت".
(٢) "المستصفى" (٢/ ٤٨) فما بعدها.
(٣) اعتبرها الشيخ الخضري ثلاثة إذ جعل الأول والثاني واحدًا مع أن الغزالي صرح باعتبارها أربعة. انظر: (ص ١٨٣) من كتابه "أصول الفقه" الطبعة الأولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>