أما عن الأمرين الأول والثاني: فقد قرر الغزالي أن السيد إذا قال لعبده: من دخل اليوم داري فأعطه درهمًا أو رغيفًا، فأعطى كل داخل لم يكن للسيد أن يعترض عليه، فإن عاتبه في إعطائه واحدًا من الداخلين مثلًا وقال: لم أعطيت هذا من جملتهم وهو قصير، وإنما أردت الطوال، أو هو أسود وإنما أردت البيض؟ فللعبد أن يقول: ما أمرتني بإعطاء الطوال ولا البيض، بل بإعطاء من دخل، وهذا دخل، فالعقلاء إذا سمعوا هذا الكلام في اللغات كلها: رأوا اعتراض السيد ساقطًا وعُذْرَ العبد متوجهًا، وقالوا للسيد: أنت أسرته بإعطاء من دخل، وهذا قد دخل.
ولو أنه أعطى الجميع إلا واحدًا، فعاتبه السيد وقال: لم لم تعطه؟ فقال العبد: لأن هذا طويل. أو أبيض وكان لفظك عامًا فقلت: لعلك أردت القصار أو السود، استوجب التأديب بهذا الكلام وقيل له: ما لك وللنظر إلى الطول واللون، وقد أمرت بإعطاء الداخل؟ فهذا معنى سقوط الاعتراض عن المطيع، وتوجهه على العاصي (١).
وأما لزوم النقض والخُلف عن الخبر العام: فيتضح فيما لو قال: ما رأيت اليوم أحدًا، وكان قد رأى جماعة، كان كلامه خلفًا منقوضًا وكذبًا؛ فإن قال: أردت أحدًا غير تلك الجماعة: كان مستنكرًا، وهذه النكرة من صيغ الجمع، فإن النكرة في النفي تعم عند القائلين بالعموم.
وحين قال اليهود: ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ