لم يكن لاختلاف في حمل المطلق على المقيد فيما نحن فيه، ولكن من الاختلاف في نظرتهم إلى النص الذي جرى به التقييد.
فالفريقان حملوا المطلق على المقيد، ولكنَّ كلًّا منهما قيد الإطلاق بالنص الذي ثبت عنده من السنة.
[رأينا في المسألة]
وفي رأينا أن الاتفاق على حمل المطلق على المقيد في هذه الصورة - وهي صورة اتحاد المحكم في النصين واتحاد السبب الذي بني عليه الحكم - يبدو هو المقبول. ذلك لأن اتحاد الحكم والسبب الذي بني عليه الحكم، لا يتصور معه اختلاف بالإطلاق والتقييد، فذلك يؤدي إلى التنافي، لأن ما يقتضيه الإطلاق: يخالف ما يقتضيه التقييد.
فإذا كان المكلف يخرج من عهدة العمل بالمطلق، بأن يمتثل في أي فرد من أفراده، فإنه لا يخرج من العهدة في الحقيقة في المقيد، إلا بالامتثال في هذا الفرد المعين الذي اقترن به ما أفاد التقييد.
ب - وهذه صورة أخرى جرى فيها اتفاق العلماء أيضًا، ولكن لا على حمل المطلق على المقيد، بل على عدم حمله عليه. وهي: ما إذا اختلف الحكم في النصين واختلف السبب الذي بني عليه الحكم في كل منهما. فهنا لا يعتبر المقيد بيانًا للمطلق، ولا يحمل المطلق عليه، بل يعمل بكل منهما حيث ورد، إذ ليس ما يدعو للحمل فلا ارتباط بينهما ولا علاقة، وقد حكى الاتفاق على ذلك القاضي أبو بكر الباقلاني وإمام الحرمين الجويني، والكيا الهراسي الطبري وغيرهم (١).
مثال ذلك قوله تعالى في شأن حد السرقة: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨] وقوله في آية الوضوء: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: ٦].