للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحكم في هذين النصين مختلف؛ إذ إنه وجوب القطع في الأول، ووجوب الغسل في الثاني.

كما أن السبب في الحكمين مختلف أيضًا؛ فهو في الحكم الأول: جناية السرقة، وفي الحكم الثاني: القيام إلى الصلاة وإرادتها.

فلم يعتبر العلماء المقيد بيانًا للمطلق، ولم يحملوا المطلق عليه (١).

ولكن الإطلاق في آية السرقة الذي يقتضي قطع يد السارق دون قيد يقيدها: قد جاء في السنة ما دل على تقييده بالرسغ، حيث رُوي أن النبي أمر بقطع يد سارق من المفضل (٢).

ج - والصورة الثالثة لهذه الحال: أن يختلف الحكم في النصين ويتحدّ السبب الذي بني عليه الحكم في كل منهما، فلا يحمل المطلق على المقيد بالاتفاق أيضًا شأن الصورة السابقة.

مثال ذلك: ما جاء في شأن الوضوء من قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة: ٦].

فالحكم في النصين مختلف، وهو وجوب الغسل في النص الأول.


(١) راجع: "التوضيح" مع "التلويح" (١/ ٦٤)، "شرح ابن ملك على المنار" (٢/ ٥٣٦ - ٥٣٧).
(٢) أخرج ابن عدي في "الكامل" والبيهقي في "السنن الكبرى" عن عبد الله بن عمرو: "قطع النبي سارقًا من المفصل". كما أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" والبيهقي في "السنن الكبرى" عن رجاء بن حيوة: "أن النبي قطع يد سارق من المفصل"، والمراد بالمفصل هنا - كما ذكر البيهقي - مفصل الكف. انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (٨/ ٢٧٠ - ٢٧١) "نصب الراية" للزيلعي (٣/ ٢٨٠) فما بعدها. وراجع: "تفسير القرطبي" (٦/ ١٧١)) "الأحكام السلطانية" للقاضي أبي يعلى (ص ٢٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>