يثبت لأحدهما بالسوق قوة يصلح بها للترجيح عند التعارض. وقد مثّل صاحب الكشف لذلك، بالخبرين المتساويين في الظهور، يجوز أن يثبت لأحدهما مزية على الآخر بالشهرة، أو التواتر، أو غيرهما من المعاني.
وهكذا يكون ازدياد الوضوح في النص: بقرينة لفظية، تجعلنا نفهم معنًى قصده المتكلم، ذلك المعنى الذي لم نفهمه من الظاهر، دون هذه القرينة التي انضمت إلى النص.
ويتضح ذلك: بالتفرقة بين البيع والربا، من حيث الحِلُّ والحرمة؛ فإن هذا الأمر يفهم من ظاهر الكلام، بل من سياق الكلام، وهو قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٥] حيث عُرِفَ أن الغرض نفيُ التماثل، وإثباتُ الفرق بينهما، وأن تقدير الكلام: وأَحلّ الله البيع، وحرّم الربا، فأنّى يتماثلان.
ولم يعرف هذا المعنى بدون تلك القرينة. فلو قيل ابتداء، دون أن يدلنا صدر الآية على دعوى التماثل: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٥] لم نستطع الحكم بأن الغرض إثباتُ التفرقة بين البيع والربا، وأنهما غير متماثلين.
واعتبار اللفظ نصًا عن طريق انضمام قرينة لفظية، تجعلنا نفهم معنًى قصده المتكلم، لم يفهم من الظاهر بدون تلك القرينة: هو ما نراه عند السرخسي، حين يقرر في تعريف النص - كما مر - أنه:(ما يزداد بيانًا بقرينة تقترن باللفظ من المتكلم، ليس في اللفظ ما يوجب ذلك ظاهرًا، بدون تلك القرينة).
[موقف العلماء من الاتجاهين]
لم يكن موقف العلماء من اتجاهَيْ المتقدمين والمتأخرين واحدًا فيما بعد.
١ - فمنهم من تابع المتقدمين فيما ذهبوا إليه، غير ملتفت إلى ما جاء به المتأخرون.
٢ - ومنهم من سلك سبيل المتأخرين، ودافع عن وجهة نظرهم فيما ذهبوا إليه.