للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رد الحنفية ذلك: بأن مثل هذه الأحاديث من المشهور فهي آحاد في العصر الأول ولكنها تواترت فيما بعد. والمشهور يخصص العام عندهم (١).

[من آثار الاختلاف عند التطبيق]

كان للاختلاف في تخصيص العام ابتداء بخبر الواحد والقياس: أثر واضح في كثير من الأحكام. تذكر من ذلك على سبيل المثال ما يلي:

قال الله تعالى في سورة الأنعام الآية: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ [الأنعام: ١٢١] وروي عنه أنه قال: "المسلم


(١) مما عده الحنفية من المشهور الذي يخصص العام قبل تخصيصه: حديث الدارقطني الموقوف على عمر : "لا يرث القاتل خطأً ولا عمدًا" (٤٢١٢)، ورواه الدارمي (٣٠٨٥) وعدَّ السرخسي من المشهور أيضًا حديث: "لا تنكح الأمة على الحرة وتنكح الحرة على الأمة". راجع: "المبسوط" (٤/ ١٩٧)، "التقرير والتحبير شرح التحرير" (٢/ ٢١٩).
على أن الإجابة بشهرة الأخبار لا تدفع - في نظرنا - واقع الاحتجاج بأخبار الآحاد؛ لأن الاصطلاح على تسمية نوع من خبر الآحاد مشهورًا لاعتبارات معينة عند الحنفية - لا ينفي عنه صفة الآحادية، وحسبنا من خبر الآحاد: أن يكون مستوفيًا شروط القبول بسنده ومتنه. ولذا كان من غير المقبول عندنا: ما قرره الأستاذ الفاضل عمر عبد الله من "أن تخصيص الكتاب بخبر الواحد غير معقول". إن الرسول هو المبين، فهل إذا وجدنا الحديث الصحيح نقف من بيان الكتاب به لأنه ليس متواترًا ولا مشهورًا. لقد رأينا إمامًا كالشافعي المتوفي سنة ٢٠٤ هـ يعني في رسالته أشد العنابة بضبط طرق الاستدلال، فلا ينكر التخصيص بخبر الآحاد، ولكن يحرص كل الحرص على أن يكون هذا الخبر صحيحًا، أتراه كان يتصرف تصرفًا غير معقول أم كان يأخذ بالكتاب أولًا وبالسنة التي فيها بيان القرآن ثانيًا؟
انظر: "سلم الوصول إلى علم الأصول" للأستاذ عمر عبد الله (ص ٢٠٢)، "الرسالة" للشافعي (ص ٦٤ - ٧٣ - ٣٦٩ - ٤٧١)، وانظر ما يقوله الدهلوي في "الإنصاف" (ص ٧١)، "حجة الله البالغة" (١/ ١٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>