للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أجاب القائلون بالتخصيص: بأن عمر إنما قال مقالته هذه لتردده في صحة الحديث لا لرده تخصيص عموم الكتاب بالسنة الآحادية؛ فإنه لم يقل: كيف نخصص كتاب ربنا بخبر آحادي وإنما قال: "كيف نترك كتاب ربنا لقول امرأة" (١) ولو كان خبر الآحاد مردودًا مطلقًا، لما احتاج إلى هذا التعليل. قال الشوكاني: (ويؤيد ذلك ما في "صحيح مسلم" وغيره بلفظ قال عمر: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لعلها حفظت أو نسيت. فأفاد هذا أن عمر تردد في كونها حفظت أو نسيت، ولو علم أنها حفظت ذلك وأوردته كما سمعته لم يتردد في العمل بما روته) (٢).

وكان من الجمهور أن أيدوا ما ذهبوا إليه أيضًا بما عرف عن الصحابة من تخصيص عمومات الكتاب بخبر الآحاد؛ فقد خصصوا قوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] الذي يشمل نكاح المرأة على عمتها وخالتها - بما جاء في الحديث الصحيح: "نهى النبي أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها" (٣) كما خصوا قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١] وهو يوجب الميراث للأولاد عمومًا، بقوله : "لا نورث ما تركناه صدقة" (٤) ومثل ذلك كثير.


(١) راجع: "الإحكام" للآمدي (٢/ ٤٧٢ - ٤٧٧)، ابن الحاجب مع "العضد والسعد": (٢/ ١٥٠ - ١٥١).
(٢) راجع: "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص ١٥٨)، وانظر: "نهاية الوصول" للمطهر الحلي (ص ١١٠) مخطوط دار الكتب المصرية.
(٣) الحديث أخرجه أحمد (٩٩٥٣) و (٩٩٩٦) وأصحاب الكتب الستة: البخاري (٥١٠٨) و (٥١٠٩) ومسلم (١٤٠٨) وأبو داود (٢٠٦٦) والترمذي (١١٢٥) والنسائي (٣٢٩٥) وابن ماجه (١٩٢٩) من رواية أبي هريرة . وفي رواية: "نهى أن يُجْمَعَ بين المرأة وعمتها وخالتها" رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه والترمذي. وفي لفظ لأبي داود من رواية أبي هريرة أيضًا: "لا تنكح المرأة على عمتها، ولا العمة على ابنة أخيها، ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على بنت أخيها".
وانظر: "معالم السنن" للخطابي (٣/ ١٩٨)، "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (٦/ ١٥٦) فما بعدها. وراجع: "المبسوط" للسرخسي (٤/ ١٩٠).
(٤) انظر ما سلف، ٢/ ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>