للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الظاهرية ومفهوم اللقب]

مرّ بنا في صدر هذا المبحث أن الظاهرية - وفيهم الإمام ابن حزم - لا يقولون بمفهوم المخالفة مطلقًا، وإذا كان القائلون بمفهوم المخالفة لا يقولون بمفهوم اللقب: فالظاهرية أجدر بذلك.

ومن هنا كان من غير المقبول: ما ينسب إليهم من أنهم أثبتوا مفهوم اللقب بناء على ما ذهبوا إليه من عدم إثبات الربا في غير ما نصّ عليه في حديث الأشياء الستة "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر … إلخ" إذ قرروا أنه لا ربا في الأرز والذرة والزبيب ونحوها، مما لم يذكر في الحديث.

ذلك أن قصر الربا على الأشياء الستة الواردة في الحديث. ليس مرده عندهم دلالةَ الحديث على نفي الحكم المذكور به عما سكت عنه، بل مرده: أن أهل الظاهر إنما يعملون بالمنطوق فقط.

أما ما سكت عنه الشارع: فهو على الإباحة الأصلية، وعلى ذلك فهم لا يثبتون الريا في غير الأصناف السنة المذكورة في الحديث؛ بناء على الإباحة الأصلية، أو بناء على أنه واجب عندهم بدون نص يدل على الوجوب (١).

[موقفنا من مفهوم المخالفة]

هذا وبعد أن عرضنا لمفهوم المخالفة، وشروطه، وأنواعه، وموقف العلماء منه بوجه عام، وموقفهم من أهم أنواعه، ورأينا الأدلة التي استند إليها كل فريق: نقرر أن الأدلة التي انبنى عليها القول بمفهوم المخالفة، تجعلنا نرتضي طريق الجمهور فيما ذهبوا إليه.

فإثبات هذا المفهوم واعتباره طريقًا من طرق الدلالة على الحكم: يتسق مع طبيعة لغة العرب، ومدلولات الخطاب فيها.

وقد علمنا أن القول به قد صدر عن رجال هم من أئمة اللغة وأعلام البيان فيها، كالإمام محمد بن إدريس الشافعي وأبي عبيد القاسم بن سلّام، وإن كان الشافعي يضم إلى الإمامة في اللغة إمامة في الفقه والحديث، والاستنباط.


(١) راجع: "المحلى" لابن حزم (٨/ ٤٦٧ - ٤٧٠)، "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر (٢/ ٧٤ - ٧٦) "أسباب اختلاف الفقهاء" للأستاذ الشيخ علي الخفيف (ص ١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>