للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أن الأخذ بهذا المفهوم: يفسح المجال للعقلية الفقهية أن تنطلق في ميدان الاستنباط؛ فلا تقف عند ظاهر اللفظ، وإنما تستشف ما وراءه ما دام ذلك لا ينبو عن اللغة، ولا يجافي عرف الشرع.

ولقد أثبت التطور الحقوقي أن رجال الفقه والقانون لا غنًى لهم عن القول بمفهوم المخالفة، فرأينا أعلام القانون - كما سيأتي - يعتبرونه طريقًا من طرق التفسير للنصوص؛ لأن تخصيص الشيء بالذكر، لا بد أن يكون لفائدة، وإلا كان ذلك عبثًا، كما قرر علماؤنا الأولون.

ولقد أشرنا من قبل إلى أهمية الضوابط التي احتاط بها العلماء للأخذ بمفهوم المخالفة، تلك الضوابط التي كانت ثمرة استقراء لحالات الارتباط بين فروع الأحكام، والأصول التي تنبني عليها. وفي هذه الضوابط الجوابُ عن كثير من الاعتراضات، بل وعلى الأدلة التي أقامها النافون للقول بمفهوم المخالفة.

على أن الأمر بعد ذلك كله، لا يخرج عن مفهوم الصحابة فيما عرفوه من لغتهم، وما عهدوه من رسول الله المبين عن ربه ﷿. وقد رأينا من قبل ما جرى من الكلام حول حديث "لأزيدن على السبعين" وحول قصة عمر ويعلى بن أمية. ومثل ذلك كثير (١).

ولعل من الخير أن نذكر هنا ما قاله الزركشي في معرض الحديث عن مفهوم المخالفة، فقد جاء في "البحر المحيط": (وفي "صحيح البخاري" في كتاب الجنائز عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : "مَن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار" قلت أنا: ومَن مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة" قال الزركشي: وهذا مصير منه إلى القول بالمفهوم) (٢).


(١) انظر ما سبق (ص ٥٣٨).
(٢) راجع: "البحر المحيط للزركشي" ج ٢ مخطوطة دار الكتب المصرية. هذا وأخرج الحديث الإمام أحمد، ففي "المسند" عن ابن مسعود: (خصلتان إحداهما سمعتها من رسول الله ، والأخرى من نفسي: "مَن مات وهو يجعل لله ندًّا دخل النار". وأنا أقول: مَن مات لا يجعل الله ندًّا ولا يُشرك به شيئًا دخل الجنة). "المسند" (٥/ ١٨٦ - ١٨٧) تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>