للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اختلاف الأصوليين في طريق الحكم]

ولئن كان الاتفاق واقعًا بين العلماء على اعتبار الطرار سارقًا، فينطبق عليه حكم الحد بالقطع، لقد اختلف الأصوليون في طريق الحكم؛ هل كان بدلالة النص، أم بعبارة النص (١)؟

وقد ذهب إلى أن الحكم بإقامة حد السرقة على الطرار جاء عن طريق دلالة النص، شمس الأئمة السرخسي.

فبعد أن بيّن في أصوله (٢) أن اختصاص الطرار بهذا الاسم؛ إنما كان لزيادة في معنى السرقة، قرر أن تعدية الحكم بمثله مستقيم في الحدود؛ لأنه إثبات حكم النص بطريق الأولى؛ بمنزلة حرمة الشتم والضرب بالنص المحرَّم للتأفيف. وهكذا يرى أن الطرار يأخذ حكم السارق بالأولى، وهذا من دلالة النص كما في تحريم الشتم وغيره للوالدين أخذًا من قوله تعالى: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: ٢٣] وليس من القياس الذي يرى الحنفية عدم صلاحيته لأن تثبت به الحدود والكفارات (٣).

ونقل صاحب "فواتح الرحموت" عن فخر الإسلام قوله في سرقة الطرار: (وهذه السرقة في غاية الكمال، وتعدية الحدود في مثله في نهاية الصحة والاستقامة) كما نقل كلام صاحب "الكشف" الذي أبان به أن ما أراده فخر الإسلام بالتعدية، إنما هو اطّراد الحكم بالدلالة لا بالقياس (٤).

وقد مشى الكمال بن الهمام (٥) أيضًا على أن حد الطرار إنما وجب


(١) يراد بعبارة النص: دلالة اللفظ على المعنى المتبادر من الكلام الذي سيق له أصالة أو تبعًا. ويراد بدلالة النص: تعدي حكم المنطوق به إلى مسكوت عنه مساواةً أو بالألوية، لاشتراكهما في علة تدرَك لغة دون حاجة إلى النظر. وهذه الدلالة هي مفهوم الموافقة.
(٢) راجع: "أصول السرخسي" (١/ ١٦٧).
(٣) المعروف أن الحنفية لا يثبتون الحدود والكفارات بالقياس، ولكنهم يثبتونها بدلالة النص؛ لأن إثباتها من هذه الطريق هو إثبات بظاهر النصر، وليس بالقياس والرأي.
(٤) انظر: "فواتح الرحموت" مع "مسلم الثبوت" (٢/ ٢٠ - ٢١).
(٥) هو محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد، من كبار الحنفية في الفقه، والأصول، وعلم الكلام، كان من خيرة مَن تولى قضاء الإسكندرية. وقد تخرّج على يديه كثير من =

<<  <  ج: ص:  >  >>