للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمسكين واحد، وهكذا قدّروا لفظ (طعامِ) قبل (ستين) فكأن الآية قالت: (أو إطعام طعام ستين مسكينًا).

واحتجوا لهذا التأويل: بأن المقصود من الآية التعريفُ بالقدر الذي يجب إطعامه لهذا العدد من المساكين؛ وذلك لسد الخلة، ودفع الحاجة، والحاجة تتجدد في كل يوم، فدفع حاجة مسكين واحد ستين يومًا كدفع حاجة ستين مسكينًا في يوم واحد. ثم إن هذا المسكين لم يستوفِ قوت يوم من هذه الكفارة، فجاز أن يعطى منها كاليوم الأول (١).

وقد حُكم من قبل الآخرين على هذا التأويل بالبُعد؛ وذلك للاعتبارات التالية:

أ - إن المنصوص عليه ستون؛ فلا يجوز العدول عن هذا العدد، وفي التأويل المذكور اعتبار لفظ لم يذكر في الكلام وهو (طعام) وإلغاء للمنصوص عليه وهو العدد (ستون).

ب - ثم إن في إطعام ستين مسكينًا إحياءً لجماعة من المسلمين، وكفايتُهم يومًا واحدًا، فيتفرغون متعاونين في هذا اليوم لعبادة الله ، ولدعائه لمن وجبت عليه الكفارة، فيغفر الله له ذلك، ويعم الانتفاع.

ج - وأخيرًا فإن القول بإجزاء إطعام هذا العدد من المساكين لواحد منهم: عمل بعلة تعود على ظاهر النص بالإبطال - كما قال ابن الحاجب وابن دقيق العيد (٢) -. فالنص (إطعام ستين مسكينًا) والعمل في ظل التعليل بالحاجة: جعل مآله (فإطعام طعام ستين مسكينًا).

[موقف الغزالي من هذا التأويل]

لقد حكى الغزالي الشافعي في "المستصفى" ما يشعر بعدم استنكاره بل وقبوله تقريبًا للتأويل الذي جنح إليه الحنفية؛ فالاحتمال في نظره واقع، إذ يجوز أن يكون ذكر المساكين لبيان مقدار الواجب، ويكون المعنى: فإطعام


(١) راجع: "الهداية" مع "فتح القدير" و "العناية" (٣/ ٢٤٣).
(٢) راجع: "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (٢/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>