للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يقال في شأن الاحتجاج بالآية الكريمة ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ … ﴾: بأنه احتجاج بالعام المخصوص في مقابل الخاص؛ فالحديث قد أخرج هذا الجنين من حكم الميتة الوارد في الآية، لأنه اعتبره مذكًّى بذكاة أمه …

واعتبار ابن رشد له من "المنخنقة" (١) مدفوع أيضًا بأن الحديث أخرجه من حدود المنخنقة، لأنه طاب وحلَّ أكله بما طابت به أمه من الذكاة.

أما أن ذكاة نفس لا تكون ذكاة نفسين: فقد نقل القرطبي في "تفسيره" عن ابن المنذر (٢) أنه قال: (وفي قول النبي : "ذكاة الجنين ذكاة أمه" دليل على أن الجنين غير الأم وهو - أي أبو حنيفة - يقول: لو أعتقت أمه وهي حامل: أن عتق الحمل عتق أمه، وهذا ما يلزم أن ذكاته ذكاة أمه، ولأنه إذا جاز أن يكون عتق واحد عتق اثنين - جاز أن يكون ذكاة واحد ذكاة اثنين) (٣).

وهكذا اعتبر ابن المنذر الجنين تابعًا لأمه حقيقة (٤).

هذا وإن صاحب "المصنِّف" ابن أبي شيبة المتوفى سنة ٢٣٥ هـ والذي روى عنه البخاري ومسلم وغيرهما، اعتبر أبا حنيفة مخالفًا للأثر في هذه المسألة (٥).

[الشافعية وتأويل الحديث]

ولقد اعتبر الشافعية تأويل أبي حنيفة للحديث من التأويلات البعيدة؛


(١) "بداية المجتهد" (١/ ٤٤٢).
(٢) هو أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري نزيل مكة، اشتهر بالتفسير. له عدد من المصنفات منها: "الإشراف" و "المبسوط" و "الإجماع". توفي سنة ٣١٨ هـ.
(٣) انظر: "تفسير القرطبي" (٦/ ٥١).
(٤) انظر: "بدائع الصنائع" (٥/ ٤٢).
(٥) وذلك في الباب الخامس من مصنفه، الذي عقده تحت عنوان (هذا ما خالف فيه أبو حنيفة الأثر الذي جاء عن رسول الله ) وردّ فيه على إمام أهل العراق في خمس وعشرين ومائة مسألة. وانظر: "النكت الطريفة في التحدُّث عن ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة" الذي ألّفه الشيخ زاهد الكوثري لهذا الغرض وأعطى رأيه في كل مسألة على حدة، وراجع لمسألتنا (ص ٦٢) من الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>