للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال بهذا القول ابن حزم الذي ادّعى فيه أيضًا قولًا لمالك (١).

احتجّ الأولون بما صحّ عن النبي أنه قال في الجنين: "ذكاته ذكاة أمه" (٢).

فالحديث ظاهر الدلالة في حلِّ أكل الجنين الميت، لأن ذكاة أمه اعتبرت ذكاة له ببيان رسول الله . قال الخطابي بعد أن أورد الحديث: (فيه بيان جواز أكل الجنين إذا ذكيت أمه، وإن لم يحدث للجنين ذكاة. وواضح أن المسؤول عنه هو الجنين الميت؛ إذ لا يظن بالسائلين الجهلُ عما خرج حيًا: أنه لا بد من ذكاته (٣).

وقد احتجّ أبو حنيفة بقوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣)[المائدة]، وبأن ذكاة نفسٍ لا تكون ذكاة نفسين، فالجنين الميت لا تسري عليه ذكاة أمه.

وأوّلَ الحديث "ذكاته ذكاة أمه" بحمله على التشبيه، على معنى أن الجنين يذكّى كما تذكّى أمه. فكأنه قال: أي فذكُّوه.

وعلى هذا: فالمراد من الحديث عند أبي حنيفة: بيان حكم الجنين الذي يخرج من بطن أمه المذكاة حيًا. وبهذا أخرج الحديث عن موطن الاستدلال للمذهب الأول.


(١) روى ابن حزم بالسند إلى عبد الله بن حيان. قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله الناقة تذبح - في بطنها جنين يرتكض - فيشق بطنها فيخرج جنينها، أيؤكل؟ قال: نعم. قلت: وإن الأوزاعي قال: لا يؤكل. قال: أصاب الأوزاعي. قال ابن حزم: (فهذا قول لمالك أيضًا) "المحلى" (٧/ ٤٢٠).
(٢) أخرجه أحمد (١١٣٦٣)، وأبو داود (٢٨٢٧)، والترمذي (١٤٧٦)، وابن ماجه (٣١٩٩). وفي رواية لأحمد وأبي داود (٢٨٢٧): قلنا: يا رسول الله، ننحر الناقة، ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله؟ قال: "كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه".
(٣) انظر: "معالم السنن" (٤/ ٢٨٢)، "نصب الراية" (٤/ ١٨٩)، "نيل الأوطار" (٨/ ١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>