للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي نراه أن الأمر أمر اصطلاح، لأن الذين قالوا بتقسيم مفهوم الموافقة إلى قطعي وظني هم من القائلين باشتراط أولوية المسكوت عنه بالحكم من المنطوق به، ولذلك أدرجوا حالة المساواة في القياس.

ولو كان القول بالقطعية والظنية مقتصرًا على الجمهور الذين لم يشترطوا الأولوية، لكان في البحث متسع للقول، واعتبار حالة الأولى: من القطعي، وحالة المساواة: من الظني، ولكن الأمر موجود عند الفريقين، وقد رأيناه سابقًا عند الحنفية لدى بحثنا لدلالة النص، كما ألمحنا إلى ذلك من قبل (١).

ثانيًا - نوع دلالة مفهوم الموافقة على الحكم:

إذا كان جمهور علماء الأمة قد اتفقوا على دلالة مفهوم الموافقة على حكم المسكوت عنه: فإنهم اختلفوا في نوع هذه الدلالة؛ هل هي دلالة لفظية، أم دلالة قياسية؟.

أ - فقد ذهب قوم إلى أنها دلالة لفظية، بمعنى أنها تحصل بطريق الفهم من اللفظ في غير محل النطق، وذلك معنى قولهم: الموافقة مفهوم، لا منطوق ولا قياس.

وهو ظاهر كلام التاج السبكي في "جمع الجوامع" (٢).

وقد جعل هؤلاء الثابت بها، كالثابت بالمنطوق، لاستنادها إلى المعنى المفهوم من الكلام لغةً بطريق الانتقال من الأدنى إلى الأعلى، أو من أحد المتساويين إلى الآخر.

فهي دلالة فوق الدلالة القياسية؛ لأن المعنى الذي هو مناط الحكم في المنطوق: يفهم بمجرد المعرفة باللغة، فتدل هي على الحكم نفسه في السكوت، لأجل ذلك المعنى، فكان الثابت بمفهوم الموافقة: كالثابت بالمنطوق، وفوق الثابت بالقياس.


(١) انظر ما سبق (ص ٤٢٨) فما بعدها.
(٢) (١/ ٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>