للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أشرنا غيرَ مرة إلى تصريح الحنفية بأن الثابت بالدلالات الأربع عندهم - ومنها دلالة النص التي هي مفهوم الموافقة -: ثابت بظاهر النص، لا بالقياس ولا بالرأي، لأن المعنى الذي يُفهم أن الحكم في المنطوق ثابت لأجله: يدرك في القياس بالرأي والاجتهاد، بينما إدراكه في المفهوم - أو دلالة النص - حاصل باللغة الموضوعة لإفادة المعاني. فالنهي عن التأفيف في قول الله تعالى: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: ٢٣] إذا كان يدل بالمطابقة على تحريم التأفيف، إنه يدل بالالتزام والتبع للمنطوق: على تحريم الضرب والشتم، ونحوهما بواسطة فهم المعنى الذي من أجله كان تحريم التأفيف وهو الإيذاء، وذلك عن طريق اللغة، دون حاجة إلى اجتهاد أو استنباط.

وقد احتجّ هؤلاء بأن مفهوم الموافقة ثابت قبل شرعية القياس، والعرب إنما وضعت هذه الألفاظ لتأكيد الحكم في محل السكوت وأن ذلك أفصح من التصريح بالحكم في المسكوت (١).

ثم إن الأصل في القياس: لا يجوز أن يكون جزءًا من الفرع ومندرجًا فيه بالإجماع، وذلك قد يقع فيما نحن فيه.

وبعد ذلك: فالقياس نظري؛ لذا شرط في القايس الاجتهاد، بخلاف مفهوم الموافقة الذي يكفي لإدراك الحكم في المسكوت عن طريقه، مجرد معرفة اللغة، ولذلك شارك أهل الرأي غيرهم فيه (٢).

وأصحاب هذا القول هم جمهور الحنفية والمتكلمين من الشافعية والمالكية والحنابلة، وبه قالت الإمامية (٣).


(١) قال الآمدي: (ولهذا فإنهم إذا قصدوا المبالغة في كون أحد الفرسين سابقًا للآخر قالوا: هذا الفرس لا يلحق غبار هذا الفرس. وكان ذلك عندهم أبلغ من قولهم: هذا الفرس سابق لهذا الفرس). راجع "الإحكام" (٣/ ٩٧)، "ابن الحاجب" مع "العضد وحواشيه" (٢/ ١٧٣) "البيضاوي" مع "الإسنوي وبخيت" (٢/ ٢٠٤)، "جمع الجوامع" مع "حاشية البناني" (٢/ ٢٠٤).
(٢) راجع "حاشية السعد على العضد" (٢/ ١٧٣)، "كشف الأسرار" لعبد العزيز البخاري (١/ ٧٣) "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ١٠٩).
(٣) قال الشوكاني: (وذهب المتكلمون بأسرهم: الأشعرية والمعتزلة إلى أنه - أي مفهوم =

<<  <  ج: ص:  >  >>