للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا يُرى أنه بمقدار تقويم الاحتمال البعيد، وأثره عند كل فريق، كانت النظرة إلى حكم الظاهر وحكم النص.

فالفريق الأول، قال بالقطعية، والفريق الثاني، قال بالظنية.

وصاحب "كشف الأسرار" - وهو من القائلين بالقول الأول - أوضح ذلك بقوله: (وحاصله: أن ما دخل تحت الاحتمال، ولو كان بعيدًا، لا يوجب العلم، بل يوجب العمل عندهم، كما في خبر الواحد والقياس، وعندنا، لا عبرة للاحتمال البعيد، وهو الذي لا تدل عليه قرينة لأن الناشئ عن إرادة المتكلم - وهي أمر باطن - لا يوقف عليه، والأحكام لا تعلق بالمعاني الباطنة، كرخص المسافر لا تتعلق بحقيقة المشقة، والنسب لا يتعلق بالإعلاق، والتكليف لا يتعلق باعتدال العقل، لكونها أمورًا باطنة؛ بل بالسفر الذي هو سبب المشقة، والفراش الذي هو دليل الإعلاق، والاحتلام الذي هو دليل اعتدال العقل) (١).

واضح أن المراد من القطع هنا معناه الأعم، وهو عدم احتمال اللفظ غير معناه احتمالًا ناشئًا عن دليل.

فليس القطع في (الظاهر)، و (النص)، هو ذلك القطع الذي نراه في (المفسَّر) الذي لا يحتمل إلا النسخ في حياة الرسول ، أو الذي نراه في (المحكم) الذي لا يقبل حتى النسخ - كما سيأتي في المفسّر والمحكم -.

وإذن فالعمل واجب قطعًا ويقينًا على الرأي الأول، مع وجود الاحتمال البعيد، أو ما هو أبعد منه، حسب درجة الوضوح في الظاهر والنص، فقد علمنا أن الاحتمال واقع في كل منهما، ولكن هذا الاحتمال في النص أبعد منه في الظاهر.

وإذا كان المراد بالظن معناه الأعم أيضًا (٢) - وهو أن يحتمل اللفظ غير


(١) انظر: "كشف الأسرار" لعبد العزيز البخاري (١/ ٤٨).
(٢) أورد صاحب "فواتح الرحموت" الرأيين ثم قال: (وما وقع من عبارات بعض المشايخ رحمهم الله تعالى من أن النص والظاهر ظنيان في الدلالة: فمرادهم الظن بالمعنى الأعم). انظر: "فواتح الرحموت" (٢/ ١٩) مع "المستصفى".

<<  <  ج: ص:  >  >>