للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا يكون ما قالوه قياسًا في اللغة وهو غير جائز فيما لو كان الأمر غير مختلف الحكم مع ما قيس عليه، فكيف والمقيس مع المقيس عليه مفترقان (١)؟.

ب - ومما استدلوا به أيضًا: أن النهي يفيد الفور، فكذا الأمر، والجامع بينهما أن كلًا منهما طلب.

وقد وقعوا في هذا الدليل بما وقعوا في سابقه من القياس في اللغة وهو غير جائز.

ثم إن الفور ضروري في النهي، لأن المطلوب في النهي - كما أشرنا في مبحث التكرار - الترك باستمرار، والمطلوب في الأمر ليس كذلك (٢).

وأيضًا: فإن الامتثال بترك المنهي عنه، هو المطلوب بالنهي، وترك المنهي عنه لا يتحقق إلا بأن يكون الترك في كل الأوقات، لا أن النهي يفيد الفور؛ فالنفور ضروري في الامتثال للنهي، وليس هو المدلول للنهي (٣).

ج - ولقد رأى القائلون بالفور في ذم إبليس على ترك المبادرة بالسجود، حين أمر فلم يفعل: دليلًا على ما يريدون. وبيان ذلك إن الله تعالى ذم إبليس بقوله: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ [الأعراف: ١٢] والذم إنما كان بسبب عدم المبادرة، فدل ذلك على أن الفور هو مدلول الأمر، وإلا لم يكن هنالك مجال لذم. إبليس على عدم مبادرته بالسجود (٤).

وقد يسلم هذا الدليل لأصحابه، لو أن الأمر مطلق غير مقيد بوقت


(١) راجع: "مختصر المنتهى" مع "شرحه للعضد" و "حاشية السعد" (٢/ ٨٤ - ٨٥)، "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ٣١٦)، "إرشاد الفحول" (ص ٩٤).
(٢) انظر المصدر السابق: (ص ٩٤) فما بعد.
(٣) راجع: "مختصر المنتهى" مع "العضد" و "السعد" (٢/ ٨٤)، "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ٣١٦) "إرشاد الفحول" (ص ٩٤).
(٤) راجع: "مختصر المنتهى" مع "العضد والسعد" (٢/ ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>