للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد علمنا أنه ليس المراد ذلك في النصوص الشرعية، فإن البيع ما شرع إلا للاسترباح وطلب الزيادة، ولكن حرمة البيع كانت بسبب فضل خال عن العوض مشروط في العقد، وذلك فضل مال أو فضل حال - على ما يعرف في موضعه -.

قال شمس الأئمة: (ومعلوم أن بالتأمُّل في الصيغة لا يعرف هذا إلا بدليل آخر، فكان مجملًا فيما هو المراد) (١).

وإذا كان السرخسي ، لم يعرض لأمر بيان السنّة للربا، فقد عدّه كثيرون كالجصاص، والدبوسي، وعبد العزيز البخاري، من المجمَل الذي لم تستوفِ السنّة بيانه.

ذلك أن النبي قال: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل يدًا بيد؛ فمَن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء" (٢).

فهذا الحديث - على اختلاف رواياته - لم ينقل الربا من الإجمال إلى التفسير، وإنما نقله من الإجمال إلى الإشكال. وفي حالة الإشكال تبدو وظيفة المجتهدين في البحث والتأمُّل، لإزالة ما بقي في اللفظ من غموض وخفاء.

ولذلك بحث العلماء في ضبط الأوصاف الصالحة لعليّة التحريم، ثم التأمُّل في مقدار انطباق العلة على الصنف الجديد، المراد الحكم عليه بالحل، أو الحرمة.

وقد عرض الجصّاص لهذه المسألة في كتابه "أحكام القرآن" (٣)، وأبان أن بيان السنّة لمجمَل الربا لم يكن شافيًا.


(١) راجع: "أصول السرخسي" (ص ١٦٨ - ١٦٩)، وانظر: "أحكام القرآن" للجصاص (١/ ٥٥١ - ٥٥٢)، "أصول البزدوي" مع "كشف الأسرار" (١/ ٥٤ - ٥٥)، "المرأة" (١/ ١٤٠).
(٢) أخرجه أحمد (١١٠٩١) ومسلم (٤٠٤٠) والنسائي (٤٥٧٩) من رواية أبي سعيد.
(٣) راجع: (١/ ٥٥٢) فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>