ولا شك أن القيد الثاني لو تخلف لكان الحِلُّ، ولكن القرآن كشف عن الحكم، ولم يترك مجالًا للأخذ بمفهوم المخالفة حيث تنتفي الحرمة بانتفاء ذلك القيد، بل بيّن الحِلَّ بقوله جلّ وعلا: ﴿فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] فجاء النص مفسِّرًا ومبينًا الحكم في حالتَيْ كون أم الربيبة مدخولًا بها، أو غير مدخول.
أما القيد الأول: فلو أخذ بمفهوم المخالفة عند تخلُّفه، بأن لم تكن الربيبة في حجر الزوج، لحكمنا بالحل. ولم يقل بذلك أحد من سلف أو خلف، إلا ما كان من ابن حزم ومَن معه من أهل الظاهر، كما سبق، فقد شرطوا للتحريم أن تكون الربيبة في حجر من تزوج بأمها، فإذا لم تكن في حجره وفارق أمها ولو بعد الدخول كانت له حلالًا (١). ووصف الربائب بكونهن في حجور الأزواج، لم يكن قيدًا ينتفي الحكم بانتفائه، وإنما كان للتنفير من زواج الربيبة، ولأن الغالب أنه ما دامت الأم مع زوجها، فالربيبة موجودة في حجر هذا الزوج.
ب - وجاء في نصوص الكتاب الكريم قوله تعالى: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٣)﴾ [النور].
فهذا النص يدل بمنطوقه على عدم جواز إكراه الفتيات على البغاء، إن أردن الستر، والاستقامة، وعدم الانزلاق والانحراف، وهو ما عبّر عنه الكتاب بالتحصُّن.
ولو أخذنا بمفهوم المخالفة، حيث ينتفي الحكم بانتفاء القيد - وهو شرط إرادتهن التحصن -: لأدّى بنا الأمر إلى جواز إكراه الفتيات على البغاء إن لم يردن التحصُّن، وهذا غير وارد مطلقًا فالله لا يأمر بالفحشاء، وشرط إرادتهن التحصن إنما ذكر لبيان الواقع لأن ذلك هو الذي يصوّر وقوع الإكراه، وقد كان عند ابن أُبي بن سلول بعض الجواري اللاتي يُكرههن على البغاء طلبًا لكسب المال من طريقهن.
(١) راجع: "المحلى" لابن حزم (٩/ ٥٢٧) فما بعدها، وانظر (ص ٥٤١) مما سبق.