للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - ولما نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨)[الأنبياء] قال ابن الزبعري من الكفار: أنا أخصم لكم محمدًا، فجاء وقال: أليس عُبِدَ الملائكةُ وعُبِدَ المسيح؟ فيجب أن يكونوا من حصب جهنم؛ فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١)[الأنبياء] تنبيهًا على صرف العام عن شموله لبعض أفراده بالتخصيص، ولم ينكر النبي ولا أصحابه تعلقه بعموم الآية (١).

٦ - كذلك لما نزل قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢] شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله وقالوا: أيّنا لم يظلم نفسه، فبين لهم النبي أن الظلم المراد بالآية هو الشرك (٢)، وليس على عمومه في شمول ما ينطوي تحته من أفراد.

وفهمُ الصحابة للعموم من الآية، هو الذي دعاهم إلى التساؤل والتخوف حتى طمأنهم رسول الله صلوات الله عليه ببيان المراد من الظلم الوارد في الآية، وأنه أعلى أنواعه وهو الشرك (٣).


(١) راجع: "أسباب النزول" للواحدي (ص ٢٢٩ - ٢٣٠)، "تفسير ابن كثير" (٣/ ١٩٧) فما بعد. "تفسير ابن جُزَيْ" (٣/ ٣٣). وانظر: "كشف الأسرار" لعبد العزيز البخاري (١/ ٣٠٣).
(٢) جاء هذا الخبر في الصحيح من رواية عبد الله بن مسعود . فقد أخرجه الطبري في "التفسير". كما رواه البخاري في "الصحيح" في كتاب الإيمان (٣٢) وفي التفسير، ورواه مسلم (١٣٤) والترمذي (٣٠٦٧) وأحمد (٤٢٤٠)، وانظر: "تفسير الطبري" (١١/ ٤٩٤) فما بعد. "فتح الباري" لابن حجر (١/ ٨١، ٨٢، ٨/ ٢٢١ - ٢٢٢)، "الموافقات" للشاطبي (٣/ ١٥٨).
(٣) هذا وقد ذكر ابن حجر في "الفتح" (١/ ٨٢) عن الخطابي أنه قال: (كان الشرك عند الصحابة أكبر من أن يلقب بالظلم، فحملوا الظلم في الآية على ما عداه - يعني من المعاصي - فسألوا عن ذلك …
غير أن ابن حجر قال عن كلام الخطابي: (وفيه نظر) وذهب إلى أنهم حملوا الظلم على عمومه، الشرك فما دونه، وهو الذي يقتضيه صنيع المؤلف يعني البخاري بقوله: ظلم دون ظلم. قال: (وإنما حملوه على العموم، لأن قوله "بظلم" نكرة في =

<<  <  ج: ص:  >  >>