للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو الراجح عندنا: فأبسط ما يدرك لغة: أن النص في سورة البقرة ظاهره العموم، وأن كل من مات عنها زوجها تكون عدتها أربعة أشهر وعشرًا، ولكن النص في سورة الطلاق ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ … ﴾ أخرج الحامل المتوفى عنها زوجها من العموم، فصرف العام عن عمومه، وهو التخصيص، أما العمل بالنصين معًا جمعًا بين العام والخاص على هذه الصفة: فلا يناسب - بعد معرفة التاريخ بين النصين - قوانين اللغة ولا قواعد الشرع (١).

٤ - ولما نزل قول الله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٩٥] سمع بذلك عبد الله بن أم مكتوم، وكان ضرير البصر فأتى رسول الله وشكا ضرارته وقال: يا رسول الله والله لو أستطيع الجهاد معك لجاهدت، فنزل قوله جلَّ وعلا: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (٢). وهكذا عقل ابن أم مكتوم بعربيته وإدراك معاني ألفاظها، عموم لفظ ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ وخشي على نفسه إن لم يجاهد، حتى جاءت الرخصة بقوله تعالى: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ حيث خروج هؤلاء من العموم الذي أفاده لفظ ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾.


(١) قال الشوكاني في "فتح القدير": (والحق ما قاله الجمهور، والجمع بين العام والخاص على هذه الصفة لا يناسب قوانين اللغة ولا قواعد الشرع، ولا معنى لإخراج الخاص من بين أفراد العام إلا بيان أن حكمه مغاير تحكم العام ومخالف له. وقد صح عنه أنه أذن لسبيعة الأسلمية أن تتزوج بعد الوضع والتربص الثاني، والتصبر عن النكاح) تفسير "فتح القدير" (١/ ٢٢١ - ٢٢٢).
(٢) والحديث رواه عن ابن عباس الطبري في "التفسير"، وقد رواه البخاري (٤٥٩٢) ومسلم (١٨٩٨) والترمذي (١٦٧٠) والنسائي (٣١٠١) وغيرهم بألفاظ مختلفة، وفي لفظ للبخاري من رواية البراء بن عازب أنه (لما نزلت: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قال النبي : "ادعوا فلانًا"، فجاء ومعه الدواة واللوح، أو الكتف، فقال: اكتب: "لا يستوي المقاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله" وخلف النبي ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله أنا ضرير، فنزلت مكانها: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾. انظر: "تفسير الطبري" (٩/ ٨٧ - ٩٣)، "فتح الباري شرح صحيح البخاري" (٨/ ٢٥٩ - ٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>