للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللفظ وتصييره إلى واحد من هذه المعاني المحتملة، ولا يكون ذلك إلا بدليل.

والاحتمال في نظر الشافعي، واقع حين لا يكون النص على الحكم من آية أو حديث واضحًا بيِّنًا في دلالته على المعنى المراد (١).

وفي "الرسالة" كثير من النماذج التي تدل على استعمال الشافعي التأويلَ بالمعنى الذي أردناه.

١ - من ذلك ما جاء في معرض الدفاع عن التغليس بالفجر، في مقابل القول بالإسفار فيه: فقد روى بسنده عن رافع بن خَدِيْجٍ (٢) أن رسول الله قال: "أسفِروا بالفجرِ، فإن ذلك أعظمُ للأجرِ - أو - أعظمُ لأجورِكم" (٣).

كما روى بالسند أيضًا عن عروة عن عائشة قالت: "كنَّ - النساءَ من المؤمنات - يصلين مع النبي الصبح، ثم ينصرفن، وهن متلفعاتٌ بمروطهن ما يعرفهن أحد من الغلس".

ولقد كان من دفاع الإمام الشافعي عن مذهبه في التغليس، تأويلٌ للتغليس في حديث عائشة، وتأويلٌ للإسفار في حديث رافع.

أ - فحديث عائشة - كما يقول - أشبه بكتاب الله؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾ [البقرة: ٢٣٨].

ومَن قدّم الصلاة في أول وقتها: كان أوْلى بالمحافظة عليها ممّن أخرها


(١) والواضح البيّن الدلالة: هو ما يعبر عنه بالنص حينًا وبالظاهر حينًا. وقد يعبر بالمبين والمفسر وكلها فيما يبدو تحمل عنده معنى الوضوح والبيان بيانًا انقطع معه الاحتمال.
(٢) هو الصحابي رافع بن خديج بن رافع الأنصاري الأوسي الحارثي أبو عبد الله، أو أبو خديج، روى عن النبي وعن همه ظهير بن رافع: عُرض على النبي يوم بدر فاستصغره، وأجازه يوم أحد فخرج بها وشهد ما بعدها. وقد أصابه سهم يوم أُحد فقال رسول الله : "أنا أشهد لك يوم القيامة" وانتقضت جراحته زمن عبد الملك بن مروان فمات بالمدينة سنة أربع وسبعين وهو ابن ست وثمانين سنة. وانظر: "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر مع "الاستيعاب" لابن عبد البر (١/ ٤٨٣ - ٤٨٤).
(٣) حديث صحيح صححه الترمذي وغيره، الترمذي (١٥٤)، أبو داود (٤٢٤)، النسائي (٥٤٨، ٥٤٩) ابن ماجه (٦٧٢). وانظر: (ص ٢٨٢) من "الرسالة".

<<  <  ج: ص:  >  >>