للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أول الوقت، وقد علّل ذلك بقوله : (وقد رأينا الناس فيما وجب عليهم وفيما تطوَّعوا به يؤمرون بتعجيله إذا أمكن، لما يعرض للآدميين من الأشغال والنسيان والعِلل، الذي لا تجهله العقول) (١).

ب - كذلك قرّر الشافعي أن خبر رافع بن خديج في الإسفار يوافق خبر عائشة من بعض الوجوه؛ وذلك أن رسول الله - لما حضّ الناس على تقديم الصلاة وأخبر بالفضل فيها -: احتمل أن يكون من الراغبين مَن يقدّمها قبل الفجر الآخر فقال: "أسفِروا بالفجر" يعني حتى يتبين الفجر الآخر معترضًا.

ج - وحين سأله مَن يتحدث إليه ويخالفه في مذهبه: أفيحتمل معنًى غير ذلك؟ قال الشافعي: (نعم يحتمل ما قلتَ، وما بين ما قلنا وقلتَ، وكلّ معنًى يقع عليه اسم الإسفار).

د - وإذ قال السائل: فما جعل معناكم أوْلى من معناها؟ قال الشافعي: (بما وصفت من التأويل، وبأن النبي قال: "هما فجران: فأما الذي كأنه ذنب السّرحان (٢) فلا يُحِلُّ شيئًا، ولا يحرِّمه، وأما الفجر المعترض: فيُحِلُّ الصلاة ويحرّم الطعام" يعني: على مَن أراد الصلاة) (٣).

وهكذا كان من استدلال الشافعي على تقديم حديث عائشة في التغليس، تأويل حديث رافع: وذلك بالحمل على معنًى من المعاني المحتملة في مراد النبي بالإسفار، بعد أن أوّل حديث عائشة بأنه أشبه بكتاب الله.

٢ - وفي "الرسالة" أيضًا سمّى الشافعي الذهاب إلى أحد المعنيين في اللفظ المحتمل تأولًا؛ ففي دفاعه عن حجية خبر الواحد والعمل به: أبان أنه يجوز ترك الخبر، إذا كان الحديث مُحْتمِلًا معنيين، فيتأوّل العالم، فيذهب إلى أحدهما دون الآخر (٤).

٣ - وفي باب الاختلاف، وبيان المحرّم منه: لم يعتبر الشافعي التأول عند


(١) "الرسالة" (ص ٢٨٩).
(٢) السِّرحان: بكسر السين المهملة وسكون الراء: الذئب، وقيل: الأسد.
(٣) "الرسالة" (ص ٢٨٢ - ٢٩١)
(٤) راجع: "الرسالة" (ص ٤٥٨ - ٤٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>