للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاحتمال: من الاختلاف المحرّم؛ فقد ذكر أن كل ما أقام الله به الحجة في كتابه، أو على لسان نبيه منصوصًا بيِّنًا: لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه.

وما كان من ذلك يحتمل التأويل، ويدرك قياسًا، فذهب المتأول أو القايس إلى معنًى يحتمله الخبر أو القياس - وإن خالفه فيه غيره - لم أقل: إنه يضيّق عليه ضيقَ الخلاف في المنصوص (١).

والطبري - وهو إمام المفسرين - يسمي تفسيره "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" وفي مقدمة التفسير، وفي ثنايا متن الكتاب: ما يؤيد ذلك ويؤكده.

فقد جاء في المقدمة: أن تأويل جميع القرآن على ثلاثة أوجه:

أحدها: ما لا سبيل إلى الوصول إليه، وهو الذي استأثر الله بعلمه، وحجب علمه عن جميع خلقه.

الثاني: ما خصَّ الله بعلم تأويله نبيَّه ؛ وذلك تأويل جميع ما فيه من وجوه أمره - واجبِه وندبه وإرشاده -، وصنوفِ نهيه، ووظائفِ حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقاديرِ اللازم بعضَ خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيهِ التي لم يُدْرَك علمُها إلا بيان رسول الله لأمته.

وهذا وجه لا يجوز لأحد القول فيه إلا ببيان رسول الله تأويلَه: بنصِّ منه عليه، أو بدلالة - قد نَصَبَها - دالةٍ أمتَهُ على تأويله.

الثالث منها: ما يعلم تأويله كلُّ ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن. وذلك إقامة إعرابه، ومعرفة المسميات بأسمائها اللازمة غيرِ المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة دون سواها؛ فإن ذلك لا يجهله أحد من أهل اللسان، دون الواجب من أحكامها التي خصّ الله بعلمها نبيَّه ، فلا يدرك علمه إلا ببيانه، دون ما استأثر الله يعلمه دون خلقه (٢).


(١) "الرسالة" (ص ٥٦٠).
(٢) راجع: "مقدمة التفسير" (١/ ٧٤ - ٩٢) هذا وأحق المفسرين - في نظر أبي جعفر - بإصابة الحق في تأويل القرآن الذي إلى علم تأويله للعباد السبيل: أوضحهم حجة فيما تأول وفسر، أيًا كان ذلك المتأول والمفسر، بعد أن لا يكون خارجًا تأويله وتفسيره ما تأول وفسر ذلك، عن أقوال السلف من الأئمة والخلف من التابعين وعلماء الأمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>