للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما في ثنايا الكتاب: فهو يسير وفق العنوان الذي وضعه لمؤلَّفه حيث عنى بالتأويل التفسير؛ فتراه يقول عند تفسير الآية: القول في تأويل قوله جلّ ثناؤه … كذا … وهكذا.

وعلى سبيل المثال جاء في تفسيره لسورة البقرة: القول في تأويل قوله جلّ ثناؤه: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (٢٦)[البقرة: ٢٦].

قال الطبري: (تأويل ذلك … ) ثم روى بالسند عن ابن عباس، ومرةً عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾ هم المنافقون. ثم جاء بروايات أخرى، واختار ما أراده منها في معنى الآية بالحجة والدليل (١).

وفي آية المحرمات من سورة النساء عند قوله تعالى: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ [النساء: ٢٣] بيّنَ أبو جعفر اختلافَ أهل التأويل في معنى الآية، حيث قال بعضهم: معنى (الدخول) في هذا الموضع: الجماع، وروى ذلك عن ابن عباس بالسند. ثم روى عن عطاء أن (الدخول) في هذا الموضع: هو التجريد.

وأنت ترى أن كلا المعنيين محتمل للفظ (الدخول) في هذا الموضع. وكان أولى القولين عند الطبري بالصواب في تأويل ذلك: قول ابن عباس من أن معنى (الدخول) الجماع والنكاح. واستدل على حمل اللفظ على هذا المعنى دون غيره: بأن هذا اللفظ لا يخلو معناه من أحد أمرين: إمّا أن يكون على الظاهر المتعارف من معاني الدخول في الناس - وهو الوصول إليها بالخلوة بها - أو يكون بمعنى الجماع. وفي إجماع الجميع: على أن خلوة الرجل بامرأته، لا تحرم عليه ابنتها إذا طلّقها قبل مسيسها ومباشرتها، أو قبل النظر إلى فرجها بالشهوة: ما يدل على أن معنى ذلك هو الوصول إليها بالجماع (٢).

وهكذا يتضح من الأمثلة التي سقناها من آثار السلف والعلماء الأولين


(١) انظر: "التفسير" (١/ ٤٠٩).
(٢) راجع: "التفسير" (٨/ ١٤٧ - ١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>