للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجمهور وبين الحنابلة والظاهرية، فيما يقتضيه النهي من أثر في المنهي عنه لأمر خارج، وبعضًا آخر، مما يظهر أثر الاختلاف بين الحنفية والجمهور، فيما يقتضيه النهي من أثر في المنهي عنه لوصف لازم له.

أ - علمنا مما سبق: أن الاختلاف بين الجمهور، وبين الحنابلة والظاهرية: قائم على اعتبار أن النهي لأمر خارج عن العمل المنهي عنه، لا يؤثر في صحة هذا العمل، وإذا أتى به المكلف يقع صحيحًا.

أما الحنابلة والظاهرية: فيرون أثر النهي في المنهي عنه لأمر خارج، يقتضي البطلان، وإذا أتي به المكلف، وقع باطلًا لأنه غير مشروع (١).

ومن المسائل التي ظهر فيها الخلاف بناء على هذه القاعدة: الوضوء بماء مغصوب، والصلاة في ثوب مغصوب أو مسروق، والصلاة في أرض مغصوبة، والصلاة بطهارة مسبح فيها على خف مغصوب. فكل هذه الأحكام واقعة تحت النهي عن الغصب والاعتداء، فالحنابلة والظاهرية يعتبرونها كلها باطلة، لأن النهي يعتمد المفاسد، وما دامت هذه الأمور منهيًا عنها، فهي فاسدة وباطلة، دون تفريق بين أن يكون النهي لذاتها، أو لوصف لازم لها، أو خارج عنها. ومثل ذلك: الذبح بسكين مغصوبة عند الظاهرية كما سيأتي.

فالوضوء بماء مغصوب: لا يعتبر طهارة مشروعة، والصلاة به صلاة بغير وضوء.

والصلاة في ثوب مغصوب، أو مسروق، أو في أرض مغصوبة: باطلة، والذبيحة بسكين مغصوبة: حرام عند الظاهرية لا تحل، فهي: كالميتة (٢).

والجمهور يرون أن النهي في هذه الأحكام، إنما هو لأمر خارج عن المنهي عنه، فتقع العبادة مشروعة صحيحة، وتقع الذبيحة بالسكين المغصوبة حلالًا، مع إثم الغصب في الأحوال كلها (٣).


(١) انظر: "الإحكام" لابن حزم (٣/ ٥٩) فما بعدها، "روضة الناظر" (٢/ ١١٤).
(٢) انظر: "المقنع لابن قدامة مع حاشيته" (١/ ١٣٣)، "الإحكام" لابن حزم (٣/ ٥٩ - ٦٠).
(٣) "المهذب" للشيرازي (٢/ ٦٤)، "التوضيح" مع "التلويح" (١/ ٣١٦) فما بعدها، "الفروق" للقرافي (٢/ ٨٥) فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>