للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما شمس الأئمة السرخسي، فقد رد عليهم بما احتجوا به حين قرر أن الحديث نفسه ناطق بنفي التكرار. ففي قوله : "لو قلت في كل عام لوجبت": دليل على أن الوجوب كل عام كان منوطًا بأن يقول: نعم، لا بمطلق الأمر (١).

ويرى الإمام النووي (٢): أن قوله : "ذروني ما تركتكم" ظاهر في أن الأمر لا يقتضي التكرار (٣).

كما يرى بعض العلماء: أن احتمال التكرار قد يكون جاء للأقرع من جهة الاشتقاق إلا من جهة الأمر، لأن الحج في اللغة قصدٌ فيه تكرر. قال الأزهري: (الحج من قولك: حججته إذا أتيته مرة بعد أخرى) وقال الخليل: (الحج كثرة القصد إلى معظّم).

ولقد نقل النووي عن الماوردي أنه قال: (ويحتمل أنه إنما احتمل التكرار عنده - يعني الأقرع - من وجه آخر، لأن الحج في اللغة قصد فيه تكرر، فاحتمل عنده التكرار من جهة الاشتقاق لا من مطلق الأمر) (٤).

هذا: وللقائلين بالتكرار شبه أوردها العلماء وردّوا عليها، وقد حصرها الإمام الغزالي بثلاث، وأوصلها الآمدي إلى إحدى عشرة، وقد وصلت عنده إلى هذا العدد من تفصيلٍ لبعض ما أجمله الغزالي حينًا، وزيادة على ما أتى به حينًا آخر، أما ابن الحاجب: فقد أورد شيئًا من كلامهم وردَّ عليه دون أن يسميه شبهًا.


(١) راجع: "أصول السرخسي" (١/ ٢٥).
(٢) هو الإمام العالم العامل المحقق يحيى بن شرف بن مري بن حسن الحوراني النووي الشافعي أبو زكريا محيي الدين الذي اشتهر - مع غزارة علمه - بزهادته وصدعه بالحق. مولده ووفاته في نوا (من قرى حوران بسورية) كان علامة بالفقه والحديث والأصول والرجال وما إليها من علوم الشريعة، له كثير من المصنفات في شتى العلوم منها: "شرح صحيح مسلم"، "رياض الصالحين" "المنهاج"، "المجموع" من أوسع مراجع الفقه الشافعي "شرح المهذب" للشيرازي ولم يتم. "تهذيب الأسماء واللغات". توفي سنة ٦٧٦ هـ.
(٣) "شرح النووي على صحيح مسلم" (٩/ ١٠١).
(٤) وانظر: "شرح النووي على صحيح مسلم" (٩/ ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>