للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشكل ذلك على السائل وهو الأقرع بن حابس، مع أنه من أهل اللسان.

قالوا: ولا يرد على ذلك أن الأقرع بن حابس، لو فهم لما سأل لأنا نقول: علم أن في حمل الأمر على موجبه من التكرار حرجًا عظيمًا، والحرج منفي في الدين يقول تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] ومن هنا جاءه الإشكال فسأل.

هذا من جهة: ومن جهة أخرى فإن الرسول ، لمَّا لم ينكر عليه سؤاله عما ليس من محتملات اللفظ، وإنما اشتغل ببيان معنى دفع الحرج في الاكتفاء بمرة واحدة، عرفنا أن موجب هذه الصيغة (١) التكرار.

وهكذا: ففي استشكال الأقرع بن حابس - وهو من أهل اللسان - والنصوص عربية، وعدم إنكار النبي ، وبيانه أن في التكرار حرجًا، ودفع الحرج يكون بالمرة والواحدة في العمر، دليل على أن صيغة الأمر توجب التكرار، فيكون معنى قوله : "لو قلت: نعم لوجبت" لو قلت: نعم، لتقرر الوجوب كل عام، وهو المستفاد من الأمر. ويرى البزدوي في تصويره لهذا الاستدلال أنه لو لم يحتمل اللفظ، لما أشكل عليه، أي أن اللفظ عند الأقرع احتمل المرة والتكرار ولولا الاحتمال، لما أشكل عليه، والتكرار من المرة يجري مجرى العموم من الخصوص؛ فيجب القول بالعموم حتى يقوم دليل الخصوص (٢).

وقد أجيب عن هذه الحجة بأن الأقرع لم يكن سؤاله لأنه فهم التكرار، وإنما كان سؤاله لما أشكل عليه من سبب الحج أهو الوقت وهو متكرر؟ فيتكرر الحج بتكرره قياسًا على سائر العبادات من الصلاة والصوم والزكاة حيث تكررت بتكرر الأوقات، أم هو البيت الحرام وهو ليس بمتكرر فلا يتكرر الحج (٣)؟


(١) انظر: "أصول السرخسي" (١/ ٢٠).
(٢) انظر: "البزدوي" (١/ ١٢٤)، و "كشف الأسرار" لعبد العزيز البخاري (١/ ١٢٥).
(٣) انظر: صدر الشريعة في "التوضيح" والتفتازاني في "التلويح" (١/ ١٥٨ - ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>