للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطبعًا: الصحة وقوع العمل موافقًا لأمر الشارع في أصله ووصفه، ومعنى ذلك أن العمل وقع على وفق ما أمر الشارع من ناحية ذاته، ولم يصبه عيب في وصف من أوصافه جعل الشارع ينهي عنه.

ولهذا كان المشهور عند علماء الحنفية، أن الصحيح ما كان مشروعًا بأصله ووصفه، والفاسد ما كان مشروعًا بأصله دون وصفه، والباطل ما ليس مشروعًا أصلًا لا بأصله ولا بوصفه (١).

ولذلك فالصحة قد تقابل الفساد كما تقابل البطلان. قال عبد العزيز البخاري: (واعلم أن الصحة عندنا قد تطلق أيضًا على مقابلة الفاسد، كما تطلق على مقابلة الباطل فإذا حكمنا على شيء بالصحة: فمعناه أنه مشروع بأصله ووصفه جميعًا، بخلاف الباطل: فإنه ليس بمشروع أصلًا، وبخلاف الفاسد: فإنه مشروع بأصله دون وصفه (٢).

ومرد هذا الاختلاف في الاصطلاح بين الجمهور والحنفية: أن الجمهور يرون أن النهي يقتضي عدم وجود المنهي عنه شرعًا، دون نظر إلى سبب النهي؛ فحين اعتبروا المنهي عنه لوصفه - من حيث أثرُ النهي - كالمنهي عنه لذاته وحقيقته - بحيث يقتضي النهيُ فساد كل من الأصل والوصف - لم يكن عندهم عمل مشروع بأصله دون وصفه، حتى يطلقوا عليه اسمًا هو بين الصحيح والباطل، كما صنع الحنفية.

أما الحنفية: فلا يقطعون النهي عن سببه؛ فهم ينظرون إلى السبب الذي من أجله كان التهي. فحين اعتبروا المنهي عنه لوصف لازم له، يختلف عن المنهي عنه لذاته وحقيقته، فجعلوا أثر النهي فيه فساد الوصف فقط، مع بقاء الأصل مشروعًا تترتب عليه آثاره المقصودة منه، وجعلوا أثر النهي في المنهي عنه لذاته وحقيقته فساد كل من الأصل والوصف: كان عندهم إلى جانب الصحيح عملان:


(١) راجع: "أصول السرخسي" (١/ ٨١) فما بعدها.
(٢) راجع: "كشف الأسرار أصول البزدوي" (١/ ٢٥٨ - ٢٥٩)، "التوضيح" مع "التلويح" (١/ ٢١٦ - ٢٢٠)، "الفروق" للقرافي (٢/ ٨٣ - ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>