للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخفض الجناح والذل لهما معنى: فإن ذلك تناول للمسألة من وجه آخر أقحمه ابن حزم ، ذلك الوجه هو كون اللفظ مغنيًا عن ذكر غيره أو غير مغني.

فالجمهور لم يقولوا: إن النهي عن التأفيف مغنٍ عما عداه، وإنما قالوا: إنه يدل بمفهومه على المنع مما عداه من أنواع الإيذاء.

أما كونه مغنيًا أو غير مغنٍ: فشيء آخر.

على أن هذا النهي في الواقع، لا يغني عما عداه لأنه نهي إجمالي، وما ذكر بعده تفصيل لما يجب للوالدين من حقوق.

والإجمال في مثل هذا المقام لا يغني عن التفصيل.

وبذلك يتضح أن قول ابن حزم تفريعًا على ما تقدم: (فلما لم يقتصر تعالى على ذكر (الأُف) وحده بطل قول مَن ادعى أن بذكر الأُف علم ما عداه. .) غير ذي موضوع (١).

ج - أما عن الناحية الثالثة التي قدّم فيها برهانه على شكل واقعة قضائية: فإنه يلزم فيها الجمهور بما لم يلتزموه.

فالجمهور لم يقولوا: التأفيف يشمل بوضع اللغة القتل والضرب والقذف ونحوها من أنواع الإيذاء التي اشتملت عليها الواقعة، حتى يرد عليهم ما ذكره من قضية الشهادة، لأن الشاهد شهد بغير الذي حصل، وإنما قالوا - كما هو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار -: بأن النهي عن التأفيف يستلزم المنع من القتل، والضرب، والقذف وغيرها من أنواع الأذى، لتحقق المعنى الذي هو مناط النهي فيها، وشتان بين الأمرين.

وإذا كان ابن حزم قد بنى برهانه في هذه الناحية، على اتهام الجمهور بالقول: إن التأفيف يشمل تلك الأنواع من الأذى وضعًا، - وهم لا يقولون بذلك -: أصبح من المجافاة للصواب الحكم على مخالفيه بالرأي، أنهم


(١) راجع: "دلالة الكتاب والسنّة على الأحكام الشرعية" للشيخ زكي الدين شعبان (ص ٥٣)، "الأحكام" لابن حزم (٧/ ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>