للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن ابن حزم لا يسلم بما فهمه أرباب الخصوص من هذه النصوص؛ فكلُّه لا حجة لهم فيه.

ففي قوله تعالى: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ﴾ لم يذكر ذلك وأمسك، بل قال: ﴿بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ وإذن فهي قد دمرت كل شيء على العموم من الأشياء التي أمر الله تعالى تدميرها؛ فصح بالنص عموم هذا اللفظ.

وفي قوله: ﴿مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢)[الذاريات: ٤٢] إبطال لقولهم - كما يرى ابن حزم - لأنه إنما أخبر أنها دمرت كل شيء أتت عليه، لا كل شيء لم تأتِ عليه (١).

وأما قوله تعالى عن بلقيس: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ فإنما حكى تعالى مخبرًا به لنا عن علمه، أو ما حققه الله من خير من نقل إلينا خبره. وقد نقل الله تعالى إلينا أقوالًا كثيرة عن اليهود والنصارى ليست مما تصح.

ولئن جاء في الآيات على لسان سليمان قوله سبحانه: ﴿سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أم كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٧)[النمل: ٢٧] (٢) فإن الله جلَّ وعلا لم يخبرنا أن الهدهد صدق في كل ما ذكر؛ فلا حجة لهم في هذه الآية أصلًا.

وفي ختام رده على احتجاجهم بهذه النصوص، وأنه أريد بها الخصوص لا العموم. أورد عليهم قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا


(١) راجع: "الإحكام" لابن حزم (٣/ ١٠٢ - ١٠٣)، وانظر: "كشف الأسرار" شرح المصنف على "المنار" (٤/ ١١٥).
(٢) وفي (٣/ ٩٩) من "الإحكام" قال: (وقد احتج عليهم - يعني أرباب الخصوص - بعض من تقدم من القائلين بالعموم فقال: ليس إلى وجود لفظ عام يراد به الخصوص: سبيل البتة إلا بدليل وارد يبين أنه منقول عن مرتبة إلى غيرها كالدليل على تخصيص قوله تعالى: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ فصح بالنص وبالظاهر وبمقتضى اللفظ: أنها لم تدمر من الأشياء إلا ما أمرت بتدميره. وهذا لفظ خصوص لبعض الأشياء لا لفظ عموم لجميعها، لكنه عموم لما قصد به، وكذلك كل لفظ عموم أريد به الخصوص) قال: (فلما صح ذلك، بطل ما احتجوا به من وجودهم لفظًا ظاهره العموم المطلق ويراد به الخصوص).

<<  <  ج: ص:  >  >>