من هذه النصوص قليل، وعلى هذا فإن نصوصًا كثيرة تبقى في دلالتها عند حدود الظنية. وما ليس بمتواتر من السنّة فهو ظني الثبوت وإن كانت هذه الظنية - وفق ما أشرنا من قبل - لا تعني الشك في الصحة بعد ثبوتها عند أهل الجرح والتعديل. لأن التعبير بالظن مسألة اصطلاحية بمقابل القطع بالتواتر، ويمكن القول بأنها غلبة ظن أقل ما تفيده: علم الطمأنينة، ذلك بأن تزكية علماء الجرح والتعديل والحكم على الحديث بالقبول لأنه المتصل السند من أوله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة: أقوى من تزكية الشاهدين عند القاضي. يعرف هذا من دراسة قواعد الجرح والتعديل وكل ما يتعلق بالحكم على النص عند المحدثين جزاهم الله كل خير، وقد يكون ظني الدلالة.
ومجال الاجتهاد في التفسير: هو النصوص الظنية سواء أكان ذلك من ناحية ثبوتها، أم من ناحية دلالتها؛ والظن من ناحية الدلالة يكون في الكتاب كما يكون في السنّة. والأمثلة على ذلك كثيرة وفيرة، ولعل أكثر ما سنقدمه من نصوص فيما يأتي من مباحث موضوعنا: كان مجالًا للاجتهاد، وميدانًا لتطبيق قواعد التفسير.
وإذا أعجلتنا رغبة القارئ في إعطاء المثال: فلنقف عند النص التالي: يقول تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨].
فهذا النص يضم إلى قطعيته من ناحية الثبوت - لكونه قرآنًا - أنه قطعي في وجوب اعتداد المرأة بثلاثة قروء، إذ إن وجوب اعتداد المطلقة هذه الحِقبة الزمنية: دلّ عليه لفظ (ثلاثة) الذي هو عدد، والعدد خاص قطعي الدلالة لا يحتمل البيان، فكان الحكم قطعيًا لا يقبل الاجتهاد. إذ لا اجتهاد في مورد النص.
ولكن تحديد مدلول لفظ "القرء" والمراد منه، أهو الحيضة أم الطهر؟ يبقى مجالًا للاجتهاد عند تفسير النص، بحيث يكون على المجتهد البحث عن القرائن والمؤيدات التي تهدي إلى المراد من القرء؛ لأنه لفظ مشترك في أصل الوضع؛ فقد جاء عن العرب - كما هو منصوص - استعماله في