للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسنرى قريبًا مذهب الغزالي في هذا.

وذهب عامة الحنفية وكثيرون غيرهم إلى أنه لا عموم للمقتضى؛ وذلك لأن ثبوته كان للضرورة، حتى إذا كان الكلام مفيدًا للحكم بدونه: لم يصح إثباته لغة ولا شرعًا، وإذا كان للضرورة: فلتقدر الضرورة بقدرها، ولا حاجة لإثبات العموم فيه ما دام الكلام مفيدًا بدونه، ويبقى فيما وراء موضع الضرورة - وهو استقامة الكلام - فلا يثبت فيه العموم، كأكل الميتة لما أبيح للضرورة قدر بقدرها وهو سد الرمق، وفيما وراء ذلك من الحمل والتناول إلى الشبع، لا يثبت حكم الإباحة فيه.

وذلك قول القاضي الدبوسي في "التقويم": (إن مقتضى النص ساقط من النص نفسه في الأصل، وإنما يثبت ضرورة أن يصير الكلام مفيدًا، فيتقدر بقدر الضرورة، وإذا ثبت بالقدر الذي يصير به الكلام مفيدًا: زالت الضرورة المثبتة … ).

وبعد أن نظّر لذلك بضرورة أكل الميتة الذي يقدر بقدره قال: (بخلاف الثابت بالنص نفسه، لأن ثبوت معناه من الأصل، فلا يسقط إذا كان عامًا إلا بدلالة كحِلِّ الذبيحة) (١).

ولقد تابع الدبوسيَّ في التنظير بأكل الميتة، مَن كتب بعده من المتأخرين (٢). وهذا يدل على مقدار استنكارهم للقول بعموم المقتضى، وحرصهم على الاتجاه المقابل.

وهكذا يرى القائلون بعموم المقتضى: إثبات كل فرد من أفراد العام في هذا المقتضى.

بينما يرى الحنفية ومن معهم: أنه يكفي إثبات فرد من الأفراد في


(١) راجع: "تقويم الأدلة" (ص ٢٤٥).
(٢) قال البزدوي: (فأما الاقتضاء: فأمر شرعي ضروري مثل تحليل الميتة بالضرورة، فلا يزيد عنها) (٢/ ٥٦٦). وانظر: "أصول السرخسي" (١/ ٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>