للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاهما: أن ادعاء أبي محمد وحدة الموقف مع الظاهرية من جميع الوجوه بالنسبة للقياس أمر فيه نظر (١).

وأن قوله بأن القياس بدعة طوائف من المتأخرين، مع أن فيهم أبا حنيفة والشافعي ومالكًا، فضلًا عما هنالك من نماذج للقياس وقعت قبلهم في عصر الصحابة والتابعين، قول فيه الكثير من الإهمال لمعالم الحقيقة، يجعل ما يستدل به في بعض الأحيان دليلًا لغيره (٢).

الثانية: أن مفهوم الموافقة - في نظرنا - ليس قياسًا بالمعنى الحقيقي للقياس الذي يقوم على الاستنباط والتأمُّل لمعرفة العلة الجامعة بين المقيس والمقيس عليه، وقد أشرنا إلى ذلك حين رجحنا رأي الجمهور بأن دلالة مفهوم الموافقة على الحكم دلالة لفظية لا قياسية. وأساس ذلك: أن إدراك المعنى الذي يجمع بين المنطوق والمسكوت عنه، يكون بمجرد معرفة اللغة.

أما تسمية هذا المفهوم من قبل الإمام الشافعي قياسًا: فذلك - فيما نرى - طريق في التسمية قبل تحديد المصطلحات لا يقدم ولا يؤخر. ولعل الداعي إلى ذلك، إنما كان مجرد اشتراك المسكوت عنه مع المنطوق في المعنى الواحد، وإن كان إدراكه في هذه الحال لا يحتاج إلى أكثر من المعرفة باللغة، حتى اشترك في ذلك الفقيه وغير الفقيه. وابن حزم لا يستطيع أن ينكر إمامة الإمام الشافعي في العربية فضلًا عن الفقه والأصول.

قال الزركشي موضحًا هذا المعنى: (واعلم أن هذا النوع البديع - يعني


(١) إذ ينقل العلماء - مثلًا - عن داود بن علي الظاهري أنه مع نفيه للقياس بوجه عام، كان يقول ببعض أنواعه وهو القياس الجلي الذي هو عند الكثيرين "مفهوم الموافقة" ولا تختلف إلا التسمية والمسمى واحد. انظر: "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر (٢/ ٥٥ - ٦٩)، "الإحكام" للآمدي (٤/ ٤٢) فما بعدها، "إعلام الموقعين" (١/ ١٩٧) فما بعد، "نيل الأوطار" (٤/ ١٢٩).
(٢) راجع الكثير من الأدلة والشواهد على ذلك في: "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر (٢/ ٥٥ - ٦٩)، "الإحكام" للآمدي (٤/ ٤٢) فما بعدها، "إعلام الموقعين" (١/ ١٩٧) فما بعدها، "نيل الأوطار" (٤/ ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>