مفهوم الموافقة - ينظر إليه من ستر رقيق، وطريق تحصيله فهم المعنى وتقييده من سياق الكلام. . . فإن قيل: فإذا ابتنى الفهم على تخيُّل المعنى: كان بطريق القياس كما صار إليه الشافعي!
قيل: ما يتأخر من نظم الكلام وما يتقدم فهمه على اللفظ، ويقترن به، لا يكون قياسًا حقيقيًا؛ لأن القياس ما يحتاج فيه إلى استنباط وتأمُّل، فإن أطلق القائل بأنه قياس، اسم القياس عليه وأراد ما ذكرناه فلا مضايقة في التسمية) (١).
٢ - أما عن النصوص: فقد يكون من الخير الاكتفاء بوقفات يسيرة مع أبي محمد ﵀ في آية التأفيف.
ولقد رأينا أن ردَّه لاستنباط تحريم الشتم والضرب وما إليهما من قول:(أُفٍّ) كان من عدة نواحي:
الأولى: أن تحريم هذه الأنواع من الإيذاء للوالدين، إنما كان مما نصّت عليه الآية في بدئها بقوله تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ وفي تتمتها من قوله سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤)﴾ [الإسراء]، ومن نصوص أخرى في الكتاب والسنة.
وأنه لو لم يرد غير لفظة (أُفٍّ) لما كان فيها نفسها تحريم ما ذكرنا من أنواع الإيذاء.
الثانية: النهي عن قول (أُفٍّ) في الآية لم يغن عن النهي عن النهر، والأمر بالإحسان، وخفض الجناح، والذل للوالدين، ولو كان مغنيًا لما كان لذكر هذه الأمور معنى، أما وإنها قد ذكرت: فليقتصر على حدود كلمة (أُفٍّ) إذ صحّ ضرورة أن لكل لفظة من الآية معنًى غير معنى سائر ألفاظها.
(١) راجع: "البرهان في علوم القرآن" للزركشي (٢/ ٢١).