للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثة: أن من شهد على قاتل أو قاذف أو ضارب أن ما صنعه المتهم مع خصمه هو قول: (أُفٍّ) اعتبرت شهادته باطلة عند الجميع. وهذا معناه أن (أُفٍّ) لم تعن القتل والضرب والقذف. . . لا شك في ذلك عند مَن له معرفة بشيء من اللغة - على حد تعبير ابن حزم.

وسنقف مع الإمام أبي محمد وقفة يسيرة عند كل واحدة من هذه النواحي الثلاث.

١ - أما عن الناحية الأولى: فإن من بدهيات العقول وأبسط مدركات اللغة التي بها يتفاهم الناس، ويدركون المعاني المرادة من خطاب بعضهم بعضًا، أن النهي عن التأفيف لا يمكن أن يستساغ معه الضرب أو القتل أو القذف للوالدين، أو غير ذلك من أنواع الإيذاء، والقول بغير ذلك مخالف لتلك البدهيات عند العقل، وأبسط المدركات في اللغة.

ذلك لأن المنع من قول: (أُفٍّ) - كما ذكرنا غيرَ مرة - لم يكن لذات التأفيف وإنما كان لما في هذه الكلمة على قلة حروفها وهي بمعنى التضجر من الإيذاء، والعارف باللغة لا يعوزه أن يفهم بكل سهولة ويسر، أن النهي عن التأفيف إنما قصد منه دفع الأذى عن الوالدين في شتى أنواعه وصوره؛ فالنهي عن الأدنى يعطي النهي عما هو أعلى منه أو يساويه (١).

وهذا المعنى من دفع الأذى، يفهم من المنع من التأفيف لغة دون حاجة إلى رأي واستنباط، كفهم الإيلام من الضرب.

قال عبد العزيز البخاري: (إذا قيل: اضرب فلانًا أو لا تضربه يفهم منه لغة أن المقصود إيصال الألم بهذه الطريق إليه أو منعه عنه، ولهذا لو حلف لا يضربه، فضربه بعد الموت لا يحنث، ولو حلف ليضربنه فلم يضربه، فضربه بعد الموت لم يبر، فكذلك معنى الأذى من التأفيف، ثم تعدى حكم التأفيف - وهو الحرمة - إلى الضرب والشتم بذلك المعنى للتيقن بتعلق


(١) انظر: "المدخل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل" (ص ١٢٧) لعبد القادر بدران، "البرهان" للزركشي (٢/ ١٩) فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>