للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجوب، ونرى أن يكون ذلك قاعدة لفهم مدلولات الطلب في نصوص الكتاب والسنة عند التفسير.

وما أحسب هذا الاتجاه بحاجة إلى مزيد من التأييد، فالقرآن - وهو كلي الشريعة - الذي أنزله الله بلسان عربي مبين، والرسول الذي أنزل عليه القرآن: أرسله الله من ذؤابة العرب بلسان قومه، ليبين للناس ما نزل إليهم.

والأمر في هذا اللسان الذي هو لغة الكتاب والسنة: يقيد الطلب الجازم على وجه الحقيقة، واللفظ عند إطلاقه يدل على معناه الحقيقي الذي وضع له، ولا يصرف عنه إلا لقرينة.

ثم إن الأوامر في كلام الله تعالى وسنة رسوله ، اقترن أكثرها بالوعيد على المخالفة بالعقاب العاجل، أو الآجل، أو كليهما معًا، الأمر الذي جعل العرف الإسلامي يقضي بأن الامتثال طاعة تجلب الخير والثواب وأن المخالفة معصية توقع في المهلكة والعذاب.

ولقد كان من ثمرات ذلك: أن أصبح شعار المسلم، هو امتثاله لما يومر به خروجًا من العهدة، وأداء لحق الله وحق رسوله.

كما أصبح ذلك هو النبراس الواضح والطريق المتبع لأولئك القوم من أصحاب رسول الله صلوات الله عليه الذين تربوا في مدرسة النبوة مؤهلين - مع الإيمان - بسليقة عربية يدركون معها مدلولات الخطاب في أوامر الله وأوامر رسوله.

ولقد رأينا من قبل كيف أن ابن عباس ، احتج على طاوس في شأن الركعتين بعد العصر اللتين هما خلاف السنة بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٣٦] (١).

وروي عن ابن مسعود: (أنه جاء يوم الجمعة والنبي يخطب،


(١) انظر "الرسالة" للإمام الشافعي (ف ١٢٢٠)، و "تفسير القرآن العظيم" (٣/ ٤٨٩) فيما بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>