للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغريب الإغلاق بالإكراه (١).

هذا: وقد ردّ الحنفية الاحتجاج بحديث ابن عباس، لأنه من باب المقتضى ولا عموم للمقتضى عندهم. فإذا كان المقدّر اقتضاء: إن الله وضع عن أمتي حكم الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. فلا يجوز أن يعمم ذلك حتى يشمل أحكام الدنيا والآخرة، وإنما يقتصر على فرد تتأدى به ضرورة صدق الكلام، ويبقى ما وراءه من أفراد العام على عدمه الأصلي.

فإما أن يقدر الحكم الدنيوي، وإما أن يقدر الحكم الأخروي.

ولكن الحكم الأخروي - وهو المؤاخذة بالعقاب - متفق عليه، فيكون هو المراد، ولا يراد الآخر معه. وبهذا يصبح معنى الحديث: إن الله وضع عن أمتي إثم الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه.

وهكذا يرى أصحاب هذا الرأي، أن القول بعدم عموم المقتضى من المسلَّمات، ولما كان الحكم بعدم وقوع طلاق المكره، يتنافى مع هذه القاعدة، فالقول فيه مردود؛ لأن اعتبار الحديث دالًا بالاقتضاء على وضع حكم الدنيا وحكم الآخرة يؤدي إلى التعميم في المقتضى، وهذا في نظرهم غير سليم.

جاء في "فتح القدير" لابن الهمام عن ردّه للأخذ بالحديث: أنه من باب المقتضى ولا عموم له، ولا يجوز تقدير الحكم الذي يعم أحكام الدنيا وأحكام الآخرة، بل إما حكم الدنيا، وإما حكم الآخرة، والإجماع على أن حكم الآخرة - وهو المؤاخذة - مراد فلا يراد الآخر معه، وإلا عمم (٢).

غير أن القائلين بعدم الوقوع أوردوا على الآخرين، أن قياس المكره على الهازل قياس مع الفارق، لأن المكره قد أُكره على التلفُّظ بالسبب ونطق به عن اختيار، وإن كان غير راضٍ بحكمه.


(١) روي ذلك عن ابن قتيبة، والخطابي، وابن السيد، وغيرهم. وذكر ابن قدامة عن أبي عبيد والقتيبي أيضًا أن معناه "في إكراه" وقال أبو بكر: سألت ابن دريد وأبا طاهر النحويين فقالا: يريد الإكراه لأنه إذا أُكره انغلق عليه رأيه. انظر: "المغني" (٧/ ١١٨)، "نيل الأوطار" (٦/ ٢٥٠).
(٢) "الهداية" مع "فتح القدير" (٣/ ٣٩)، "التوضيح" مع "التلويح" (٢/ ١٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>