للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن يحيى بن أبي كثير عن ابن عباس: "أنه كان لا يرى طلاق المكره شيئًا" (١).

وعمدة الاحتجاج لأصحاب هذا القول: الحديث الذي دار حوله الكلام في صدر هذا المبحث وهو قوله : "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وقد احتج به ابن حزم وأورده عن ابن عباس أيضًا بلفظ: "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" والإكراه يعدم الرضا ولا يجامع الاختيار.

ولم يفرق هؤلاء الأئمة بين حُكم وحُكم، بل أخذوا من الحديث أن الله وضع عن الأمة حكم هذه الأمور الثلاثة بنوعَيْه الدنيوي والأخروي.

ولقد روي أن عطاء احتج على عدم وقوع طلاق المكره بقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ (٢) [النحل: ١٠٦] وقال: "الشرك أعظم من الطلاق" (٣)، فهو يراه أوْلى بعدم سريان حكمه على المكره، ولم يفرق عطاء بين وقوع الطلاق، وبين المؤاخذة في الآخرة.

ومما استُدل به على هذا القول أيضًا: ما روي عن عائشة أن رسول الله قال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" (٤) وذكره ابن قدامة في "المغني" بلفظ: "لا طلاق في إغلاق" بإسقاط "ولا عتاق" وقد فسَّر علماء


(١) هذا وقد صحّ عن الحسن البصري قوله: "طلاق المكرَه لا يجوز" وهو أحد قولَيْ عمر بن عبد العزيز وعطاء وطاوس وأبي الشعثاء جابر بن يزيد، وأيوب السختياني، وإسحاق ثور، وأبي عبيد، والأوزاعي، والحسن بن صالح، وغيرهم. راجع: "المحلى" لابن حزم (١٠/ ٢٠٢ - ٢٠٤)، "المغني" لابن قدامة (٧/ ١١٨)، "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (٦/ ٢٥٠).
(٢) من قوله تعالى في سورة النحل: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠٦)﴾.
(٣) أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح مرسلًا عن عطاء، وانظر له "السنن" (١١٤٢) ١/ ٢٧٤، "نيل الأوطار" (٦/ ٢٥٠).
(٤) أخرجه أحمد (٢٦٨٩٢) وأبو داود (٢١٩٣) وابن ماجه (٢٠٤٦). وانظر: "جامع الأصول" لابن الأثير (٥٧٦٤)، "معالم السنن" للخطابي (٣/ ٢٤٢)، "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (٦/ ٢٤٩ - ٢٥٠)، "المغني" لابن قدامة (٧/ ١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>