للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدليل الثاني: قالوا: إن ورود النص في الكتاب والسنة مقيّدًا بواحد من القيود؛ كالصفة ونحوها، لا بد أن يكون لفائدة؛ كالتأكيد والتقرير، أو بيان الأغلب وغيرهما، فإذا أريد تفسير نص من النصوص، وحاول المجتهد بيان مدلولات الألفاظ، أو تطبيق النص على واقعة أخرى إيجابًا أو سلبًا: كان لا بد لذلك من بحث عن فائدة ذكر القيد في النص؛ فإذا لم تظهر تلك الفائدة، حكم بأن التقييد إنما كان لتخصيص الحكم بما وجدت فيه هذه الصفة، ونفيِه عما عداه.

وفي هذه الحال، لو لم يكن في التخصيص بالوصف الدلالة على نفي الحكم عن الغير، لما كان لذكر الصفة التي قيدت الحكم في النص فائدة؛ لأن التقدير عدم الفوائد الأُخر.

وتجرد كلام أي واحد من البلغاء عن الفائدة لا يجوز؛ فأوْلى ألا يحصل ذلك في كلام الله، وكلام رسوله .

وقد عبّر العضد في "شرحه لمختصر المنتهى" عن ذلك بقوله: (لو لم يكن في التخصيص بالوصف الدلالة على نفي الحكم عن الغير، لكان ذكر الوصف ترجيحًا بلا مرجح، لأن التقدير عدم الفوائد الأُخر، واللازم باطل، لأنه لا يستقيم تشخيص كلام آحاد البلغاء بشيء على غير فائدة مرجحة، فكلام الله ورسوله أجدر، وليس هذا إثباتًا للوضع بما فيه من الفائدة، بل بالاستقراء عنهم أن كل ما ظن أن لا فائدة في اللفظ سواء: تعين أن يكون مرادًا، وهذا كذلك، فاندرج في القاعدة الكلية الاستقرائية) (١).

ولا يضعف هذا الاستدلال في نظرنا، ما قد يرد من أن فوائد التقييد قد تكون أكثر من أن يحاط بها، خصوصًا في نصوص الكتاب والسنّة، وأن من مجانبة الحيطة والتثبُّت الحكمَ بأن فائدة التقييد بالصفة إثباتَ الحكم لمَن وجدت فيه ونفيَه عما عداه.

نعم لا يضعفه في نظرنا؛ لأن ما يجنح إليه المجتهد من حمله ذكر


(١) راجع: "مختصر المنتهى لابن الحاجب" مع "شرح العضد وحاشية السعد" (٢/ ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>