للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث المروي من طرق: "مَن سئل عن علم فكتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار" (١).

والآن وبعد الذي مر، نقف موقف التبصر أمام الأثر الذي أورده أبو جعفر الطبري في مقدمة تفسيره عن ابن عباس، وهو قوله : (التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها - وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى) (٢).

وقد وجد العلماء في هذا التقسيم من ترجمان القرآن ابن عباس للتفسير متسعًا حدَّد معالم الطريق، وأصاب المحز في توضيح المجال الذي يخوض فيه المفسر لآي الكتاب.

فأما الذي تعرفه العرب: فهو الذي يُرجع فيه إلى لسانهم، وذلك في شأن اللغة والإعراب؛ فما كان من التفسير راجعًا إلى هذا القسم: فسبيل المفسر - كما يقول بدر الدين الزركشي - التوقف فيه على ما ورد في لسان العرب، وليس لغير العالم بحقائق اللغة ومفهوماتها تفسيره. أما ما لا يعذر أحد بجهله: فهو ما تتبادر الأفهام إلى معرفة معناه من النصوص المتضمنة شرائع الأحكام، ودلائل التوحيد، وكل لفظ أفاد معنًى واحدًا جليًا لا سواه، يعلم أنه مراد الله تعالى.

قال الزركشي: (فهذا القسم لا يختلف حكمه ولا يلتبس تأويله، إذ كل أحد يدرك معنى التوحيد من قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: ١٩] وأنه لا شريك له في إلاهيته. . . ويعلم كل أحد بالضرورة أن مقتضى قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] ونحوها: طلب إدخال ماهية المأمور به في الوجود).


(١) أخرجه من رواية أبي هريرة الإمام أحمد في "مسنده" (٨٦٢٣)، وأبو داود (٣٦٥٨) والترمذي، (٢٦٤٩) وابن ماجه، والحاكم. وانظر: "تفسير القرآن العظيم" (١/ ٢٠٠).
(٢) راجع: "جامع البيان" للطبري (١/ ٥٧)، "مقدمة التفسير" للراغب الأصفهاني (ص ٤٢٣) مع "تنزيه القرآن عن المطاعن" للقاضي عبد الجبار، "مقدمة في أصول التفسير" لابن تيمية (ص ٢٩ - ٣٢) "البرهان في علوم القرآن" للزركشي (٢/ ١٦٨) فما بعدها، "التفسير والمفسرون" للشيخ محمد حسين الذهبي (١/ ٢٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>