للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا جمع العلماء بين الموقفين، ولم يروا فيهما أيَّ نوع من التعارض (١).

وهذه الوجهة من أبي بكر، ومن وراءه من الصحابة الذين شهدوا التنزيل، ومن جاء بعدهم، كانت من أهم العوامل في تكوين ما نراه من كنوز هذه الشريعة من مفهوم في كتاب الله، تتفق أو تختلف، حتى كانت من أغزر موارد العلم، لمن يريد الاجتهاد والاستنباط.

فلقد سكتوا عما لم يعلموا، ولم يكتموا القول فيما يعلمون، أداءً للأمانة في بيان ما يجب عليهم بيانه.

وقد صدق فيهم وفيمن استقام على طريقتهم قول النبي صلوات الله وسلامه عليه: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين" (٢).

وهذا هو الواجب على كل أحد؛ فإنه كما يجب على المرء السكوت عما لا علم له به، فكذلك يجب عليه القول فيما سئل عنه مما يعلمه (٣) لقوله تعالى: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧] (٤) ولما جاء في


(١) جاء ابن القيم بحديث الكلالة وما قال فيها أبو بكر، ثم جمع بينه وبين كلمة الخليفة الأول: "أي سماء تُظلني" وحديث: "مَن قال في القرآن برأيه. . ." وذلك قوله في "إعلام الموقعين": (فإن قيل كيف يجتمع هذا مع ما صحّ عنه من قوله: "أي سماءٍ تُظلني. . ." وكيف يجامع هذا الحديث الذي تقدم: "مَن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار" فالجواب أن الرأي نوعان، أحدهما: رأي مجرد ولا دليل عليه، بل هو خرص وتخمين، فهذا الذي أعاذ الله الصدّيق والصحابة منه. . .).
(٢) أخرجه ابن عبد البر وغيره. وانظر: "تفسير القرطبي" (١/ ٣١).
(٣) انظر: "مقدمة في أصول التفسير" لابن تيمية (ص ٢٩) فما بعدها.
(٤) والآية هي قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (١٨٧)﴾.

<<  <  ج: ص:  >  >>