للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى في شأن كفارة الظهار: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المجادلة: ٣] يدل على إجزاء كل من الرقبة المؤمنة وغير المؤمنة، وقوله في شأن كفارة القتل الخطأ ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء: ٩٢] يدل بمنطوقة على إجزاء الرقبة المؤمنة، ويدل بمفهومه المخالف - عند القائلين به - على عدم أجزاء الرقبة غير المؤمنة، لانتفاء المقيد الذي قيد به الحكم في المنطوق.

وعلى ذلك يُرى بين النصين تعارض في الرقبة غير المؤمنة، إذ النص المطلق يدل على أنها تجزئ في الكفارة. والنص المقيد بدل على أنها لا تجزئ، فيجب حمل المطلق على المقيد. وعندها يشترط لتكون الرقبة مجزئة في كفارة الظهار وفي كفارة القتل الخطأ: أن تكون مؤمنة.

أما الحنفية - وهم ينكرون مفهوم المخالفة -: فتقييد ﴿الرقبة﴾ في كفارة القتل الخطأ بوصف الإيمان، لا يدل عندهم على أن حكم ما عداها بخلافها؛ فالنص يدل على إجزاء الرقبة المؤمنة، ولكنه لا ينفي الجواز عن غير المؤمنة، بل هو ساكت عنها، فلا تنافي بين المطلق والمقيد، ولا داعي للحمل (١).

ولذلك ردوا هذه الحمية السابقة، بما ردوا به مفهوم المخالفة، حتى إن فخر الإسلام البزدوي بعد رد مفهوم المخالفة بأنواعه كحجة شرعية قال: (وأبعد من هذه الجملة: ما قاله الشافعي من حمل المطلق على المقيد في حادثة واحدة بطريقي الدلالة) (٢).

ومعنى كلامه - كما يرى عبد العزيز البخاري - أنه إذا كان الخطأ في مفهوم المخالفة من وجه واحد - وهو إضافة النفي إلى النص الموجب - فهو في حمل المطلق على المقيد: أبعد عن الصواب، لأن الخطأ فيه من وجهين:


(١) راجع: "كشف الأسرار على أصول البزدوي" (٢/ ٦٠٩ - ٦١٠).
(٢) راجع: "أصول البزدوي" مع "كشف الأسرار" (٢/ ٦٠٨) فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>